بقلم: محمد صلاح البدرى
لم يكن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر يعلم حين افتتح المعهد القومى للأورام فى عام ١٩٦٩ أنه يؤسس أحد الصروح القومية التى ستبقى كثيراً.. التى ستصبح أحد أسلحة الوطن القوية لمحاربة واحد من أشرس الأمراض التى تفتك بالشعب المصرى وبالعالم كله لمدة تتجاوز الستين عاماً..!
نعم.. فقد تحول معهد الأورام القومى من وقتها إلى قبلة المرضى من كل مكان فى المحروسة.. وأصبح حتى وقتنا هذا الملاذ الآمن الذى لا يرد مريضاً ولا يرفض حالة مهما كانت درجتها..
وعلى الرغم من قسوة الحادث الإرهابى الذى تم أمام أبوابه منذ عدة أيام.. الذى أودى بحياة الكثيرين من الأبرياء الذين لا ذنب لهم سوى أنهم وجدوا فى المنطقة لحظة وقوع الانفجار.. فضلاً عن تعطيله العمل بالمعهد وتسببه فى نقل المرضى منه بشكل مفاجئ.. إلا أن الله دائماً ما يبعث بالأمل من قلب الألم.. ويجعل المصائب سبباً فى الكثير من الفوائد.. التى كان أهمها فى هذه المرة هو تسليط الضوء على هذا الصرح الذى يعمل فى صمت.. وإثبات أحقية أطبائه فى ارتداء المعاطف البيضاء.. واستحقاقهم لقب ملائكة الرحمة..
لقد ضرب أطباء المعهد مثالاً حياً للإيثار وحب المهنة وتقديسها.. فالشهود العيان يقسمون أن أطباء المعهد قد انتشروا عقب التفجير مباشرة فى الشارع لإسعاف المرضى.. دون حتى أن يستوعبوا سبب الانفجار.. وغير مبالين باحتمالية وجود انفجارات أخرى محتملة.. أو بالنيران التى لم تكن قد خُمدت بعد.. ليفسدوا فرحة كل من أراد مشهداً فوضوياً تتناثر فيه الدماء.. ويصنعوا مشهداً رائعاً للعالم كله بأنفسهم وبعملهم..!
الطريف أن الحادث كان سبباً أيضاً أن تنهمر التبرعات على المعهد الذى لا ينال حقه منها أبداً.. فالمعهد مثله كمثل كل المستشفيات الجامعية لا يمتلك ما يعلن به عما يقدمه من خدمات للمرضى.. أو عما يحتاجه من أجهزة وأدوية ومستلزمات.. وتكلفة التشغيل التى يحتاجها كل عام تفوق بأضعاف ما يتوافر له من ميزانية جامعة القاهرة التى يتبعها.. مثله مثل معظم المستشفيات الجامعية الحكومية..!
لقد كان الحادث سبباً أن يتم جمع التبرعات للمعهد بشكل مكثف.. وصلت فى أيام قليلة إلى أكثر من مائة مليون جنيه.. وهو ما يعبر عن أصالة هذا الشعب.. واستعداده للتكافل والتعاون فى كل ما ينفع..!
يبقى أن نشيد بتحرك الحكومة -بكل أذرعتها- فى هذا الحادث.. فكل التقدير لشفافية وزارة الداخلية فى تقريرها وفى الوصول لمنفذى الحادث بتلك الحرفية التى رأيناها.. ولسرعة وكفاءة وزارة الصحة فى تسكين المرضى فى مستشفيات قريبة.. ولمجلس الوزراء الذى أصدر قراره السريع بإسناد تجديد المبنى لشركة المقاولون العرب.. هكذا تدار الأزمات.. وهكذا تكون الدول الكبيرة..!
إن الحادث الأليم قد أزهق أرواحاً بريئة.. ولكنه فى الوقت نفسه قد أبرز مشاهد كنا فى أشد الاحتياج إليها.. وأثبت للعدو الإخوانى الحقير.. أن هذا الوطن يحمل على ظهره الكثير من الخير الذى لن ينفد أبداً.. وأن أبناءه سيسطرون ملاحم الفخر دوماً.. من قلب الألم..!