بقلم: محمد صلاح البدرى
لم يكن عمرى قد تجاوز الثامنة عشرة حين تم تفجير تلك القضية.. ربما كان هذا هو السبب الذى جعلنى لم أتمكن من فهم معظم ملابساتها التى كانت تنشرها الصحف وتتغنى بها برامج التليفزيون يومياً.. الأمر يتعلق بحداثة عمرى.. ومحدودية المصادر الإعلامية فى ذلك العصر.. فكان طبيعياً ألا أستوعب كل تفاصيلها.. إنها قضية «عبدة الشيطان».. هؤلاء الشباب الذين كانوا يرتدون ملابس سوداء غريبة تحمل شعارات تثير الاشمئزاز.. ويتقابلون بصورة منتظمة فى أحد المحال الشهيرة للأطعمة السريعة بأحد شوارع مصر الجديدة الشهيرة!.. ثم يتسللون ليلاً إلى قصر البارون ليرقصوا على موسيقى البلاك ميتال!.. لقد نالوا قدراً لا بأس به من اتهامات الإلحاد والكفر ونشر الفوضى.. كل من عاصر هذا الزمن يتذكر كيف لاقت تلك القضية صدى إعلامياً كبيراً لم أفهم سببه وقتها.. ولكننى استنكرت كما استنكر الإعلام والرأى العام كله.. ثم نسيت.. حين نسى الإعلام والرأى العام كله أيضاً.. فلم يبق منها فى ذهنى سوى هذا الخوف المبهم من قصر البارون.. والاشمئزاز من ذلك الزى العجيب -الذى ما زلت أرى بعض الشباب الذى يرتدى أزياء مشابهة له حتى الآن- لا أذكر أننى عرفت كيف انتهت تلك القضية.. ولم أهتم حتى بالبحث عن تلك المعلومة قط.. فقط تذكرتها حين ثار الجدل حول ما صرحت به إحدى الإعلاميات منذ بضعة أيام حول رأيها الشخصى فى الأشخاص البدينة.. وتلك الحالة الحوارية المستنكرة التى دارت على صفحات التواصل الاجتماعى.. والتى تتكرر مع كل تصريح غريب يصدر من تلك الإعلامية تحديداً!!
الأمر لا يختلف كثيراً.. فالطريقة الأسهل لتصير معروفاً أو مشهوراً هى أن يثار حولك الجدل ولو كان سلبياً.. صديق مقرب يعمل فى مجال الدعاية أخبرنى بإحدى القواعد الهامة لديهم، وهى أنه لا توجد دعاية سلبية ودعاية إيجابية.. هناك دعاية أو لا!! أعتقد أنه محق إلى حد كبير!!
لقد كان حادث عبدة الشيطان لا يتعدى إحدى وسائل التمرد التى يستخدمها الشباب الفاقد لهويته.. إنها طريقته ليكون «مختلفاً».. طريقة ساعدهم فيها انخفاض مستوى وعيهم وانفتاحهم على الثقافة الغربية بصورة غير ممنهجة فى ذلك الوقت الذى كان العالم يستقبل الانفتاح عبر شبكة الإنترنت بجنون!!.. والأمر لا يختلف كثيراً فى الحالة الثانية.. فالبعض يبحث عما يجعله مختلفاً ولو اضطر للتطرف فى الرأى كى يعبر عن اختلافه.. إنها الوسيلة الذهبية للظهور ومن ثم علاج ذلك الخلل النفسى الشهير.. إذا أردت أن تكون متميزاً.. فلتقل ما لم يقله الآخرون.. واترك الباقى لوسائل الإعلام.. الأمر يكون أسهل قطعاً إن كنت تمتلك حق الظهور فى إحدى تلك الوسائل!!
الطريف أنه لم يكن الرأى الأول الذى يتسم بالغرابة من تلك الإعلامية تحديداً.. فقد استمدت شهرتها عبر مشوارها الإعلامى القصير من تلك الآراء دوماً، التى يندرج كثير منها تحت بند العبث.. والأطرف أنها تثير الجدل فى كل مرة دون أن يفكر أحد أن التفكير فيما تقوله أو أخذه على محمل الجد هو العبث نفسه!!
لن أتحدث عن تفنيد الرأى نفسه.. الذى قام به كل مرتادى وسائل التواصل خلال الأيام الماضية.. وتضامن معهم العديد من الفنانين ونجوم الرياضة.. ولكننى أثمن بشدة قرار القناة التى تعمل بها، والتى قررت إيقافها عن الظهور على الشاشة فوراً وخضوعها للتحقيق.. ذلك القرار الذى جعلنى أتوسم خيراً فى الأيام المقبلة للإعلام فى مصر.. وأتوقع أن يتخلص من الذين يستخدمونه لبث ما يجعلنا جميعاً نصاب بالإحباط.
إن خبراً لطيفاً أن الإعلامية الشهيرة قررت اعتزال الإعلام والتفرغ لحياتها الخاصة قد انتشر عقب صدور قرار إيقافها.. ذلك الخبر الذى يجعلنى أحاول التواصل مع كل من يعرفها بشكل شخصى.. ليساعدها بكل ما يمتلك من قوة على تنفيذه!!