بقلم - محمد صلاح البدرى
فى مداخلة هاتفية للسيد رئيس هيئة الجمارك على شاشة قناة دى إم سى قبل بداية العام بأيام قليلة صرح سيادته بثقة -لا أعرف مصدرها- أن أسعار السيارات «لن تنخفض» بعد تطبيق قرار إعفاء السيارات الأوروبية من الجمارك من بداية العام الحالى.. التصريح كان غريباً بحق وأثار الكثير من ردود الفعل السلبية.. فلا يوجد منطق لاحتفاظ السيارات بأسعارها مع انعدام الجمارك عليها.. ولكن ما أثار حفيظتى أكثر وقتها أن سيادته قد أضاف فى نفس المداخلة أن الضرائب على التجار سترتفع على اعتبار أن مكسبهم سيصبح أكبر!!
هناك درجة معينة من الحوار لا يمكن للعقل استيعابها.. فلا نملك حيالها سوى الصمت!! التصريح أتى فى وقت كنت أفكر فيه فى شراء سيارة جديدة -بالقسط طبعاً- ولكن ما سمعته أثار حنقاً فى نفسى جعلنى أنصرف عن الفكرة برمتها حتى إشعار آخر..!
فى تلك الأيام كانت المرة الأولى التى أسمع فيها عن حملة «خليها تصدى».. تلك الحملة التى أطلقها بعض النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعى لمقاطعة شراء السيارات حتى ينخفض ثمنها ويصل إلى سعر عادل للجميع..! لقد صادفت الحملة هوى فى نفسى يتوافق مع الحنق الذى شعرت به عندما سمعت تصريح السيد رئيس الجمارك.. وأدركت أنه ليس شعوراً فردياً.. وإنما هو حالة عامة من السخط على إصرار ذلك القطاع على الاستخفاف بعقول الناس!! لقد كان القرار معروفاً لجميع العاملين بالمجال منذ فترة ليست بالقصيرة.. ولكن الخطة كانت على ما يبدو هى التعتيم عليه والاحتفاظ بالتخفيض ليضاف لمكسب الوكلاء.. ولكن يبدو أن الأمور لم تسر كما هو مخطط لها..!
درس قاس ذلك الذى تمنحه تلك الحملة فى الأيام الأخيرة لكل العاملين بقطاع تجارة السيارات.. وأقسى لكل من حاول الدفاع عن مكاسبهم أو التمهيد لاحتفاظهم بالتخفيض الذى حدث على قيمة السيارات لأنفسهم!! لقد أبرزت الحملة نوعاً من الوعى أعتبره جديداً على المجتمع المصرى.. وعياً لم يكن متاحاً من قبل.. لقد تمكنت الحملة التى انتشرت كالنار فى الهشيم من إجبار العديد من الوكلاء على تخفيض الأسعار.. ربما ليس بالقدر الكافى الذى يجعل المكسب عادلاً أو يجعل التخفيض الذى تم يصب فى صالح المواطن وحده.. ولكن رضوخ تلك التوكيلات وتخفيضها الأسعار بعد نفيهم لذلك نفياً قاطعاً فى كل محفل وعلى شاشات الفضائيات قبل تطبيق القرار هو انتصار بكل ما تحمله الكلمة من معان..!
والجدير بالذكر أنه لا يمكن فصل نجاح الحملة عن الظرف الاقتصادى الصعب الذى تمر به البلاد منذ سنة أو يزيد.. فوجود الأزمة الاقتصادية هو الذى جعل المواطن يعيد ترتيب أولوياته الشرائية.. ويقوم بالاستغناء عن كل ما هو غير ضرورى بالنسبة له.. وبالتالى كانت الأرض خصبة لتنمو تلك الحملة بسرعة بين الناس.. حتى وصل الأمر لمناشدات من الوكلاء على صفحات الجرائد وفى وسائل الإعلام.. وبدأ الاستجداء بسلاح العاملين بالقطاع الذين سيتضررون من تلك المقاطعة.. وكأن الوكيل أو التاجر إن انخفض مكسبهما قليلاً سيعاقبان المجتمع بأن يخفضا العمالة الموجودة عندهما بالفعل!!
الطريف أن تصريحاً رسمياً صدر من البنك المركزى يفيد أن الإحجام عن شراء السيارات هو أحد الأسباب للانخفاض الأخير الذى طرأ على سعر الدولار فى مقابل الجنيه المصرى.. ما يؤكد تأثير الحملة الحقيقى على السوق.. لو نجحت الحملة فى تحقيق سعر عادل للسيارات فى السوق المصرية ستتكرر فى العديد من السلع التى تستنفد طاقات المواطنين.. وستنمو الرقابة الشعبية على الأسواق بمختلف أنواعها لتسيطر على جشع التجار الذى لا ينتهى.. والذى فشلت الحكومات المتعاقبة فى كبح جماحه.. أو هكذا أتمنى!!
نقلا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع