بقلم - محمد صلاح البدرى
لم يكن لقاءً مرتباً، فقد كان على هامش إحدى الندوات الطبية التى تعقد بانتظام فى جامعات مصر المتعددة، أسمر اللون، يحمل فى ملامحه ما يشى بانتمائه لتلك القارة السوداء التى ننتمى إليها دون أن ندرك أهميتها جيداً.
نظرت إلى بطاقة الهوية المعلقة على صدره لأدرك صحة نظرتى، إنه طبيب نيجيرى شاب من هؤلاء الذين يجوبون العالم بحثاً عن العلم، بدأت معه حواراً بسيطاً على سبيل الترحيب لأدرك من خلاله أننا نخسر الكثير بالابتعاد عن هويتنا الأفريقية!!
لقد بدا متحمساً وهو يخبرنى أنه يحب مصر منذ أن سمع عنها، ودون حتى أن يزورها من قبل، تحدث معى طويلاً عن مصر التى كان يتمنى زيارتها، وأنه انتهز فرصة هذا اللقاء العلمى فقط ليأتى إلى هنا ويحقق أمنيته ويراها.
لقد بدا واضحاً من كلماته أننا نمتلك جمهوراً غفيراً فى تلك القارة، جمهوراً كان يفتقد وجودنا المؤثر الذى فقدناه لعقود دون سبب محدد!!
والواقع أننى معجب حقاً بأن يصبح الاهتمام بأفريقيا خياراً استراتيجياً للنظام فى هذه المرحلة تحديداً، لقد فقدنا ظهيرنا الأسمر لسنوات طويلة وفقدنا معه الهوية الأفريقية التى تتيح لنا قوة ونفوذاً لا يعوضه أى وجود للدولة المصرية فى أى محور آخر.
لقد آمن النظام الحالى منذ البداية بأهمية الالتفات جنوباً، ولمَ لا؟ فأفريقيا هى الامتداد الطبيعى والجغرافى لمصر، والبعد السياسى والأمنى لدولها لا يمكن إغفاله لكل من ينظر إلى المشهد بعمق، إنها الحقيقة التى أدركها «عبدالناصر» ومن بعده «السادات» جيداً وقررا أن يؤمنا الحدود الجنوبية إلى أبعد مدى وبتكلفة تقل كثيراً عن تكلفة التأمين العسكرى، لقد زرعا الانتماء فى قلب كل أفريقى لهذا الوادى الطيب عن طريق البعثات الدراسية وبعثات الأزهر التى تجوب القارة، وخلقا مساحات للتعاون والتنمية بين مصر وتلك الدول التى كانت أسواقها تحتاج لنا بشدة، ولكن يبدو أن من أتى بعده لم يستوعب تلك الحقيقة حتى عاد النظام الحالى ليجدد تلك العلاقات بقوة وعمق!
بجهد دؤوب وحماس لا يفتر يحاول النظام أن يستعيد الدور السياسى لمصر فى القارة الأفريقية، الأمر بدا واضحاً فى كلمة الرئيس فى الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ بضعة أسابيع، ومن قبله فى نموذج محاكاة الاتحاد الأفريقى الذى قام به شباب البرنامج الرئاسى، كما يبدو واضحاً جلياً أيضاً فى أجندة عمل منتدى شباب العالم المزمع عقده بشرم الشيخ بعد أيام قليلة، فقد أعلنت اللجنة المنظمة أن البرنامج سيشتمل على نموذج محاكاة للقمة العربية الأفريقية، كما يشمل البرنامج أكثر من جلسة وورشة عمل تختص بالحاضر الأفريقى والمستقبل المرغوب!
الطريف أننا ما زلنا نمتلك الكثير الذى يمكن تقديمه للقارة السمراء فى سبيل تعزيز الدور المصرى، فلمَ لا نتبنى مشروعاً للكشف وعلاج فيروس سى عبر أنحاء القارة كما نفعل فى مصر الآن؟ لمَ لا يتم الإعلان عبر الاتحاد الأفريقى عن مشروع «مواطن أفريقى صحيح» ويتحول مشروع «١٠٠ مليون صحة» إلى مشروع القارة كلها عبر وزارة الصحة المصرية وعبر اتصالات وزارة الخارجية الناجحة فى نظرى؟
إن مشروعاً كهذا كفيل بأن يزرع الانتماء فى الجنوب أكثر بكثير مما فعلت البعثات الدراسية ويقضى على كل آثار السنوات العجاف التى ابتعدنا فيها عن هويتنا السمراء!
لقد أدرك النظام المصرى أن التنمية تبدأ من خلال تلك القارة السمراء، وأن مسئولية الدولة المصرية نحو الجنوب قد باتت ضرورة يفرضها البعد التاريخى قبل الإقليمى وتدعمها مكانة الدولة وتأثيرها بين مواطنى القارة على كل المستويات، ويبقى أن يستمر العمل فى هذا الاتجاه الذى كنا نفتقده كثيراً.
نقلًا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع