فى الخامس من يوليو عام 2013.. وبعد يومين فقط من عزل الإخوانى محمد مرسى عن حكم مصر بعد ثورة الثلاثين من يونيو الجارفة التى قام بها الشعب وحماها الجيش المصرى العظيم، كان القرار بتجميد عضوية مصر فى الاتحاد الأفريقى واحداً من أكثر القرارات السلبية التى تم اتخاذها ضد الدولة المصرية فى صراعها التاريخى للحفاظ على هويتها الأصيلة.
ربما كان السبب الحقيقى للقرار وقتها هو عدم إدراك العديد من الدول الأعضاء حقيقة ما جرى فى مصر، وطبيعة الأحداث التى مرت بها.. وربما كان لضغوط خارجية تعرّضت لها بعض الدول الأفريقية التى تعالت أصواتها ضد التحرك الشعبى المصرى فى تلك الفترة.. لكن يبدو أن ربّ ضارة نافعة بحق..!
لقد كان قرار التجميد شرارة التحرك فى الاتجاه الأفريقى بشكل مختلف.. كان هو البداية لأن تبدأ الدولة المصرية فى اقتحام أدغال قارتها من جديد.. تلك القارة التى حملت مشعلها منذ زمن بعيد قبل سنوات عجاف من الفتور فى العلاقات على كل الأصعدة..
لقد حاول النظام بقوة يجب تثمينها أن يستعيد الدور السياسى لمصر فى القارة الأفريقية.. واجتهد الرئيس ومعه وزارة الخارجية أن يوجدا بقوة فى القارة السمراء.. وأن تعود مصر هى الأخت الكبرى والشقيقة الأقوى بين دول حوض النيل.
فبعد ست سنوات فقط من رفض القارة الأفريقية لمصر.. يأتى الرجل نفسه الذى واجه اتهامات عديدة رئيساً ليس للدولة المصرية وحدها.. وإنما لأفريقيا كلها فى سابقة أولى بمسمى المنظمة الجديد.. ورابعة فى تاريخ القارة..!
الطريف أن رئاسة الاتحاد الأفريقى تتزامن هذا العام مع فوز مصر بتنظيم كأس الأمم الأفريقية كحل بديل بعد سحب التنظيم من الكاميرون.. وكأن القدر قرر أن يجمع لمصر الريادة السياسية.. وبصبغة رياضية محبّبة للنفس..!
لا شك أن جهداً ليس بالقليل.. وعملاً دؤوباً منظماً ومركزاً ينتظر الدولة المصرية لتتبوأ مقعدها فى صدر القارة السمراء باستحقاق..
والواقع أن الدولة المصرية تمتلك الكثير لتقدمه للقارة السمراء.. فمصر بمؤسساتها العلمية والدينية يمكنها أن تخلق طفرة غير مسبوقة فى تلك القارة العجوز المنهكة..
فبخبرات صقلتها التحديات.. ينبغى على الدولة المصرية أن تفتح العديد من الملفات المعلقة فى القارة.. والتى يأتى فى مقدمتها التصدى لأعمال العنف والإرهاب، ونزع فتيل الأزمات العرقية والحروب الأهلية..
ينبغى أن يكون الاهتمام بالصحة والتعليم فى دول أفريقيا مجتمعة هدفاً واضحاً للقيادة الأفريقية الجديدة للسيطرة على مثلث الجهل والفقر والمرض الذى ينخر فى عظام مواطنى القارة منذ زمن بعيد..
ينبغى أن يتم توظيف المؤسسات العلمية والدينية فى مصر كالجامعات المصرية والأزهر الشريف فى تحسين المستوى العلمى والظهير الدينى للعديد من الدول..
إن رئاسة مصر للاتحاد الأفريقى هذا العام يمكن أن تصبح نقطة لانطلاق العديد من المشروعات التنموية المشتركة، سواء فى مجال الصحة أو التعليم أو حتى إعادة البناء..
فمشروعات مثل مشروع «١٠٠ مليون صحة» الذى تقوم به وزارة الصحة فى مصر يمكن أن يتم تعميمه على مستوى القارة، ليتحول إلى مشروع القارة كلها عبر وزارة الصحة المصرية.. وعبر اتصالات الخارجية الناجحة فى نظرى..
مشروع كهذا كفيل بأن يزرع الانتماء فى الجنوب أكثر بكثير مما فعلت البعثات الدراسية.. ويقضى على كل آثار السنوات العجاف التى ابتعدنا فيها عن هويتنا السمراء..!
لقد أدرك النظام المصرى أن التنمية تبدأ من خلال تلك القارة السمراء.. وأن مسئولية الدولة المصرية نحو الجنوب قد باتت ضرورة يفرضها البعد التاريخى قبل الإقليمى.. وتدعمها مكانة الدولة وتأثيرها بين مواطنى القارة على كل المستويات.. ويبقى أن يستمر العمل فى هذا الاتجاه.. الذى كنا نفتقده كثيراً!
نقلا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع