بقلم - محمد صلاح البدرى
أعترف أن الحديث عن انتقاد المنظومة الصحية مشوق بالفعل حتى بالنسبة للعاملين بها.. فإذا كان البعض يفعلها ليثبت للآخرين كيف كان محقاً حين انتقد هذا الطبيب أو ذاك.. والبعض الآخر ليثبت كيف أنه لم يظلم أحداً حين سب الأطباء بالكامل فى ذلك المستشفى حين ذهب ليلاً مع جاره المريض.. فالأطباء يفعلونها ليواسوا أنفسهم.. وليتحملوا ما يلاقونه من صعوبات تحت مظلة أن الأزمة موجودة بالفعل.. وأن الحل ربما يكون قريباً وهم لا يشعرون!!
المشكلة أن الأمر ليس وليد اليوم... فالمشكلة تعود لعصور طويلة ماضية.. وإصلاحها لن يأتى بين عشية وضحاها.. ولهذا فحساب المسئول الحالى -وأعنى السيدة وزيرة الصحة- أمر لا يخلو من الظلم أيضاً، ولكننا نعتب على المسئول دوماً أنه لم يحاول البدء حتى فى الثورة على هذا الفساد.. ولم يحاول تنفيذ أفكار جديدة لتحسين الخدمة فى ظل موارد محدودة نعرفها جيداً..!
المشكلة أن الوزيرة تشغل نفسها والرأى العام.. بل وكل العاملين بالقطاع بتصريحات لا أرى لها داعى أو تأثيراً بأى شكل على المنظومة نفسها.. فلسبب ما هناك إصرار غير مفهوم على «تقنين» العلاج الحر والعيادات الخاصة بشكل لا أرى له ضرورة.. الأمر بدأ بتصريح للوزيرة أن هناك اتجاهاً لوضع حد أقصى لسعر الكشف.. وهو أمر تعلم سيادتها جيداً كما يعلم كل ملم بالقانون أنه غير دستورى.. ولا علاقة للوزارة بسعر الكشف الذى يخضع للعرض والطلب فى المقام الأول.. بل إن الجهة الوحيدة التى تختص بفض أى نزاع مالى أو فنى بين الطبيب ومريضه داخل عيادته هى نقابة الأطباء.. وبشروط قاسية تجعل تدخلها محدوداً للغاية أيضاً.. أى إنه باختصار تصريح سيادة الوزيرة يتطلب تعديلاً تشريعياً لن يتم لأنه ببساطة غير دستورى.. فتشريع بهذا الشكل ينبغى أن يتم تعميمه على كل المهن.. فيتم وضع حد أقصى لأتعاب المحامى.. وحد أقصى لأجر المهندس..!
ثم أتى التصريح الأخير بشأن إلغاء الكشف المستعجل ليجعلنا نضعه بجوار التصريح الأول ونتندر عليهما باعتبارهما من المضحكات المبكيات.. فوزارة لا تختص ولا تملك تحديد سعر الكشف ترغب فى التدخل فى تنظيم العمل داخل العيادة الخاصة.. وكأنها ستعين موظفاً لكل طبيب فى عيادته ليحجز له الكشوفات.. وينظم دخول المرضى!!
لسبب ما تحاول الوزارة أن تقحم نفسها فى معارك وهمية لن تنتصر فيها ولن تتمكن من الحصول على مكاسب تصب فى صالح الوزارة أو المريض بأى حال.. فقط ستكتسب بعضاً من الشعبية المؤقتة لدى فئات التعليم المتوسط وما تحته.. التى ستنهار بدورها عندما تكتشف تلك الفئة «بالونية» التصريحات.. أو حتى عند أول تقصير يواجهونه فى مستشفى حكومى..!
الطريف أن العلاج الحر يغطى نسبة كبيرة من المواطنين لن تتمكن الوزارة من تغطيتهم إذا ما انسحب من المشهد.. فضلاً عن أن وجوده نفسه يخلق تنافساً مطلوباً من مقدمى الخدمة الحكومية.. أو هكذا يفترض!!
فصل القول.. إن السيطرة على العلاج الحر لا يمكن تحقيقها «بتقنين» العمل بالعيادات.. بل تتم بتوفير البدائل المناسبة الكافية فى المستشفيات العامة.. كان من الأفضل أن يتم التركيز على تقديم خدمة موازية بأسعار أقل بالمستشفيات العامة بنظام التعاقد مع كبار الأطباء.. أو حتى تقديم مستوى أفضل فى العيادات الخارجية العامة.. ولكن محاولة السيطرة على العلاج الحر لن تؤدى إلا إلى إحراج الوزارة دون داع.
سيدتى الوزيرة الفاضلة.. نصيحة مخلصة إن جازت لى النصيحة.. مغازلة الجمهور لا تدعك تمتلكين الوقت الكافى لإحراز الأهداف..!
نقلا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع