بقلم: محمد صلاح البدرى
صديق مقرب تواصل معى مؤخراً ليسألنى عما يفترض أن يفعله ليتقدم بشكوى ضد أحد الأطباء الذى أجرى عملية لقريب له لإنقاص وزنه ولكنه عاد مرة أخرى لنفس وزنه السابق للجراحة!!
الشكوى كانت غريبة بالنسبة لى.. فتلك الجراحات لا تفعل شيئاً سوى تصغير حجم المعدة المتمدد بسبب كثرة الأكل.. فإذا أكل المريض بعد العملية بنفس الشراهة ستتمدد مرة أخرى.. فما ذنب الطبيب؟!
يقول صديقى إن الطبيب الذى أجرى العملية يظهر على شاشات القنوات الفضائية بشكل شبه منتظم ليعدد مزايا تلك الجراحة.. ولكنه لا يذكر أن المريض إن لم يلتزم بالنظام الغذائى المحدد له بعد العملية سيعود مجدداً لنفس وزنه..!
الأمر يبدو غريباً على المهنة المقدسة.. ويحول الطبيب إلى تاجر يعرض بضاعته ويعدد مزاياها.. كما يحول المريض إلى «زبون» بالمعنى الحرفى للكلمة.. حتى إنه تبادر إلى ذهنى حين سألنى صديقى أن الجهة الوحيدة التى قد تحمى حق المريض فى تلك الظروف قد تكون «جهاز حماية المستهلك»!!
الطريف أن غرابة القصة ربما تفتح الباب للتفكير فى كيفية «تقنين» تلك البرامج الطبية المتعددة على شاشات الفضائيات.. التى تعتمد كلها بلا استثناء فى الوقت الحالى على «الإعلان» عن طبيب ما.. دون أدنى رقابة لما سيقوله ذلك الطبيب من قدراته الخارقة.. ودون مراجعة من أى جهة لتلك المعلومات التى ربما لا يوافقها الصواب فى كثير من الأحيان!!
الأمر تحول إلى فقرة إعلانية بالكامل.. فتجد اسم الطبيب ورقم هاتفه وعنوان عيادته الخاصة فى شريط أسفل الشاشة طوال الحلقة.. وتجد الحوار كله يتلخص فى انبهار من المذيعة الشابة -غير المتخصصة قطعاً - أمام ما يقدمه الطبيب الضيف من معلومات.. والكارثى فى الأمر أن أحداً لا ينبه المشاهد أن الأمر لا يعد كونه إعلاناً!!
فى الطب لا تعد الإعلانات التجارية من هذا النوع مقبولة بالمرة..! فقط هى ثقافة شعبنا البسيط هى ما تجعل لبرنامج يعلن عن طبيب.. بل ولطبيب يعلن عن نفسه بهذه الفجاجة قيمة من أى نوع!!
المشكلة أن المعلومات الطبية التى يتم تقديمها كلها تندرج تحت بند الطب الاستهلاكى.. فتجد مواضيع مثل أطفال الأنابيب والتخسيس وزرع الشعر تحتل النصيب الأكبر.. والمشكلة الأكبر أن البرامج من هذا النوع لا تخضع لرقابة من أى نوع.. فقط هى معلومات المذيعة الشابة التى لا تجتهد سوى فى التأمين على كلام الضيف.. لذا يمكنك أن تذكر أو تخفى ما تشاء من معلومات.. أذكر صديقاً كان يمقت المذاكرة تماماً.. ولكنه كان يجتاز الاختبارات الشفوية فى كليتنا بثقة لا حدود لها.. لا ينطق بكلمة صحيحة فى معظم الأحيان.. ولكنه كان سريع البديهة وموهوباً فى التأليف.. لا أخفيكم سراً أنه كان يفلح فى بعض المرات.. فقد كانت ثقته تبعث الشك فى نفوس الممتحنين أنفسهم أنه قد يكون على صواب.. وأن تلك المعلومة لم تمر على الممتحن من قبل!!
من الصعب أن تحتفظ بثقتك فى معلوماتك الطبية تحديداً وأنت تواجه هذه الثقة المفرطة أمامك!..
ربما كانت هناك بعض البرامج فى الماضى تحاول الالتزام بالموضوعية، مثل ما كان يقدمه الدكتور خالد منتصر.. أو ذلك البرنامج الذى كان يقدم الإعلانات التجارية عن المراكز الطبية فى فواصل مصحوبة بما يفيد أنها إعلان.. وبمعزل كامل عن ضيف الحلقة ومحتواها الطبى.. أما الآن فالأمر صار غير مقبول على الإطلاق من وجهة نظرى!
أعتقد أن المجلس الأعلى للإعلام ربما يحتاج لإعادة النظر فى تلك البرامج.. أو حتى التوجيه بمراجعة محتواها العلمى من جهة ما.. جهة يمكننى أن أوجه صديقى إليها ليشكو طبيبه الذى لم يوضح كل شىء فى برنامجه الإعلانى!!