بقلم: محمد صلاح البدرى
مقطع مصور انتشر بسرعة البرق على موقع التواصل الاجتماعى الأزرق الشهير منذ أيام قليلة أصابنى بالفزع.. المقطع يظهر بعض الشباب الذين لم يتجاوز عمر أحدهم العشرين عاماً وهم ينهالون بالضرب والاعتداء اللفظى والجسدى على شاب ضعيف البنية.. يبدو من خلال المقطع أنه من ذوى الاحتياجات الخاصة.. الشاب يتوسل إليهم طوال الوقت ليتركوه وشأنه.. وهم يتلذذون بتعذيبه ويتناوبون الفعل وكأنه شرف أو هواية!!
فى البداية تخيلت أنه مشهد تمثيلى مفتعل.. فلم يصل إلى ذهنى أبداً أن هناك من يملكون السعة النفسية لذلك الفعل أبداً.. ثم ما لبثت أن اكتشفت أن المقطع حقيقى!!
شعور بغيض بالضعف وقلة الحيلة ذلك الذى اعترانى فى ذلك الوقت.. شعور بالعجز عن مساعدة هذا الشاب الضعيف الذى لا حول له ولا قوة.. والغضب لأن خواص الهاتف المحمول لا يمكنها أن تجعلنى أصل لأعناق هؤلاء الصبية المستهترين الذين يتسلون بالاعتداء عليه دون أدنى وازع من ضمير أو شفقة!!
الأمر يمكن رؤيته على نطاق أوسع حين نبحث فى سبب نشر المقطع نفسه على مواقع التواصل الاجتماعى.. فهؤلاء الصبية لم يكتفوا بالتلذذ عند الاعتداء على الصبى.. وإنما قرروا التفاخر بهذا الاعتداء ليحصدوا الإعجاب ممن هم على شاكلتهم!!
لقد صدم المقطع الكثيرين بشكل عنيف.. حتى إن التحرك المجتمعى والحكومى على حد سواء حدث سريعاً للبحث عن هؤلاء الصبية.. وتم القبض عليهم والتحقيق معهم بشكل عاجل فى موقف أعتقد أنه أثلج صدرى ومعى الكثيرون إلى حد ما.. ولكن المشكلة لم تبدأ بعد!!
المشكلة أن أنباء قد تواترت بأن أهل المجنى عليه ربما يتنازلون عن حقهم وحق الشاب.. وأن هناك محاولات مكثفة لإنهاء الأمر بالتصالح، على اعتبار أن مستقبل الشباب قد يتعرض للضرر.. وأن الأمر لا يعدو مجرد نوع من «الهزار» الثقيل الذى يمارسه الصبية مع الشاب!!
لطالما تساءلت عن ذلك العنف الذى أصبح يجتاح كل شىء دون مبرر؟! العنف الذى يمكنك بسهولة أن تميزه فى كل ما يدور حولك دون جهد.. ودون حتى أن تعتبره أمراً شاذاً غريباً باعتبار أنه قد بات سمة سائدة فى كل مكان؟!
لماذا يتراقص الشباب فى الأفراح على نغمات -إن جاز اعتبارها كذلك- عنيفة غير متناسقة.. وفى طراز أشبه بالعراك أو أحد التمرينات الرياضية للعبة قتالية شهيرة منها لرقصة يفترض أن تجعلك سعيداً وأنت تؤديها أو حتى تشاهدها؟! ما كل هذا العنف الذى يبدو؟.. ما كل هذا الكبت الذى يخرج من الشباب فى صورة تعبيرات جسدية حادة؟!
لماذا تجد سائق الأجرة ينادى على وجهته بعنف وقسوة وهو يدق على باب سيارته بشكل ممنهج قاس؟!
لقد أصبح العنف عادة حولنا لدرجة أننا أصبحنا لا نعتبره جريمة.. أو نصنفه تحت بند «الهزار» دون أن نبحث فى أسبابه أو حتى نحاول الاعتراف به فى خطوة أولى لمعالجته!!
إن التنازل عن حق هذا الصبى ربما يجعلنا نفتح الباب للتساؤل عن فكرة حق المجتمع بجوار حق الصبى نفسه فى الاعتداء الذى وقع عليه.. بل يجعلنا نعيد النظر فى أحقية أهله أنفسهم فى رعايته!!
أعتقد أن علماء الطب النفسى والاجتماع بات لزاماً عليهم أن يبحثوا فى تلك الظاهرة.. وأن نبدأ فى البحث عن السبب ليس فقط فى هذا العنف.. وإنما فى اعتياده!!