بقلم: محمد صلاح البدرى
بعض التجارب التى نخوضها تترك فى النفس أثراً لا يندمل أبداً.. ونظل نذكرها حتى ولو اختفت من حياتنا.. لنستمر فى التعلم منها.. ولنحمد الله على أنها ذهبت بلا رجعة..!
أيام قليلة مضت على انتخابات التجديد النصفى لنقابة الأطباء.. التى كانت وستظل واحدة من أهم النقابات المهنية فى هذا الوطن دون شك.. خاصة بعد أن تحررت وبشكل كامل من سيطرة العصابة الإخوانية عليها..!
فى البداية ينبغى أن نقر أن غياب الإخوان عن المشهد الانتخابى كان سبباً أن تصبح المنافسة أكثر شرفاً بكثير مما كانت عليه فى السابق.. فلم يعد هناك تلك الصراعات العنيفة بين المرشحين.. أو المعارك الانتخابية غير الشريفة والشائعات التى كانت تنتشر فى ذات الفترة حول كل من تسول له نفسه التقدم للترشح أمام أحد مرشحى الإخوان.. والتى كنا نعانى منها فى كل انتخابات.. أذكر أن أحد الأطباء كبيرى السن نقى السريرة عندما رآنى أدعم أحد المرشحين غير المنتمين للإخوان سألنى ببراءة شديدة ونظرات الشفقة تطل من عينيه إن كنت أصلى أم لا؟!!!
بل حتى يمكننا القول إنه لم يعد هناك مكان للمشاحنات بين الفائز والخاسر.. فالكل يسعى للعمل التطوعى رغبة منه فى خدمة زملائه فقط.. دون أجندة خاصة.. ودون خلفية سياسية يسعى للانتصار لها.. وهو أمر جعل العملية الانتخابية بأكملها تسودها المودة والحب بين الجميع.. وجعل الطبيب يشعر بالقيمة الحقيقية لنقابته.. ويختار مرشحه على أساس الاقتناع.. وليس بالأمر المباشر كما كان يحدث لمرشحى الجماعة الإرهابية!
لم يرغب الأطباء فى التغيير بأى شكل.. فقد وقع اختيارهم على النقيب الحالى الدكتور حسين خيرى ليستكمل المسيرة كما كانت.. رافضين كل من طرح نفسه بديلاً لحل مشاكل الأطباء التى كان يتفنن فى عرضها ببعد سياسى واضح.. ولم يلقوا آذاناً لكل المعارك الوهمية التى كان يفتعلها بعض المرشحين مع الدولة.. وكأنما يعلنون للجميع أنهم غير راغبين فى افتعال خصومة مع أحد.. ومؤيدون لتوجهات الدكتور حسين خيرى فى عدم الزج بالنقابة فى أى صراع سياسى.. أو الاتجار بهم فى أى مكان..!
لقد صار الأطباء أكثر وعياً بكثير، لا شك فى هذا.. فالاختيار -حتى فى النقابات الفرعية- لم يتم على أساس عصبى أو لسابق معرفة بالمرشح.. بل تم باقتناع حقيقى.. وأرضية واضحة لقيمة المرشح العلمية والأدبية.. بل وبرنامجه الانتخابى الذى يفترض أن يهتم بالشأن العلمى والمهنى للأطباء فى المقام الأول..!
الطريف أن كل من قدم نفسه «منقذاً» لحال الأطباء، ومحارباً من أجل حقوقهم، لم يجد أرضية صلبة يقف عليها.. ولم يجد دعماً حقيقياً ليستمر فى ما يدعيه.. فنجح الصدق والمهنية فى النهاية رغم أنف الجميع..!
لقد مر العرس الديمقراطى فى واحدة من أكبر النقابات المهنية بنجاح.. وبنسبة حضور لا أراها سيئة بأى حال.. كما أفصح المشهد الانتخابى عن الكثير من الحقائق التى ينبغى للجميع أن يعرفها جيداً.. أولها أن النقابة كانت وستظل بيتاً للجميع.. ولا مكان فيها لأى مزايد أو مدلس!
لقد نجح الأطباء فى الاختبار.. وأرسلوا للجميع رسالة واضحة أنهم يسعون لنقابة قوية غير مسيسة.. وأن النقيب الحالى بقيمته التى لا تخفى على أحد هو خير من يمثلهم فى الوقت الحالى..
سيبقى جموع الأطباء سنداً لهذا الوطن فى كل الأوقات والظروف.. وستبقى نقابتهم ملكاً لهم ملكية خالصة بعد سنوات الاختطاف.. وسيبقى الوطن هو المبتغى.. وما دونه هراء..!