بقلم - محمد صلاح الزهار
قبل ما يزيد على خمس سنوات بدأت مصر فى خوض غمار حرب جديدة تستهدف هدم الدولة وتفجيرها من الداخل، سواء بالإرهاب أو بحروب التخريب وأجيالها المتتابعة الرابع والخامس، وربما يستجد نوع آخر!
الحرب التى تواجهنا فى هذه المرحلة جديدة فقط فى أدواتها وأساليبها، وسبق أن واجهنا خلال العقود الماضية حروباً مماثلة فى الأهداف والمساعى، لكن بأدوات مختلفة.
اللافت فى كل الحروب المماثلة التى تعرّضت لها مصر، كان الطرف المعادى للدولة طرفاً واحداً، هو الجماعات المتسترة بالدين، والتى تتبوأ جماعة الإخوان المسلمين مكان الصدارة والأقدمية بينها جميعاً، والتى ترفع لافتة واهمة مخادعة هى «إقامة الدولة الإسلامية»!
فى سنوات الخمسينات والستينات مارس الإخوان حالة من الشد والجذب مع الدولة، ثم صعّدوا من مواجهاتهم واستهدفوا قتل «عبدالناصر» فى عام 1954 وبعدها استهدفوا الدولة كلها عام 1965، وفى الثمانينات قتلوا السادات، وشرعوا فى إقامة الدولة الإسلامية المزعومة فى أسيوط بعد أن قتلوا وأصابوا المئات، وبعد أن كمنوا فترات ليست بالقليلة، عادوا مرة أخرى فى التسعينات، مزودين بخبرات الحرب الأفغانية، وبتعليمات وتدريبات أجهزة مخابرات مختلفة، وحولوا القاهرة إلى ساحة للدمار وقتل الأبرياء، ثم حولوا بعض مدن الصعيد إلى مناطق نفوذ وسيطرة، ثم وضعوا السياح الأجانب والأقباط على قائمة الكيانات والفئات المستهدفة بمزاعم التكفير، التى سبق أن وصفوا بها الحكومة والشعب والنظام بأكمله، وأنهوا فترة التسعينات بحادث الأقصر المأساوى الذى راح ضحيته العشرات من السياح الأجانب والمصريين فى ساحة معبد حتشبسوت بالبر الغربى لمدينة الأقصر، ثم كمنوا مرة أخرى، لكنهم عادوا مع الألفية الجديدة، لكن بتكتيكات جديدة أهم ما يميزها هو ارتباطها بمخططات قوى عالمية تستهدف إعادة ترتيب موازين القوى فى المنطقة، تحت شعارات فارغة من محتوياتها، وانتهزوا فرصة اشتعال أحداث يناير 2011، وتصدرت جماعة الإخوان وكل الجماعات التى مارست العنف وسفك الدماء المشهد السياسى بعد إسقاط نظام مبارك، لكن الشعب المصرى، الذى سقط فى براثن شعارات ودعاوى إقامة الدولة الإسلامية، هب فى مواجهتهم وأبعدهم فى ثورة الثلاثين من يونيو عام 2013، لتبدأ الحرب الجديدة ضد الدولة المصرية، بالهدف ذاته، لكن بأدوات مختلفة، كما أشرنا آنفا!
المقصد من التلخيص السريع الذى أشرت إليه سريعاً فى السطور السابقة، هو التنبيه إلى أننا كدولة وكشعب لا ندرك الدروس ولا نستوعب العظات والحكم مما مضى، نلتزم بذات الأدوات القاصرة فى مواجهة المسلسل المتلاحق الساعى لهدم الدولة، بمزاعم لا علاقة لها بالإسلام، ولا بأى دين!
قدمنا آلاف الشهداء من أبناء مصر من المدنيين، مسلمين وأقباطاً، ومن أبناء القوات المسلحة والشرطة، لكننا رغم ضراوة الحرب الحالية فإننا، كدولة وشعب، اكتفينا برفع شعار ضرورة تجديد الخطاب الدينى وصعدنا من التحذيرات من الأهداف التخريبية لحروب الجيل الرابع والخامس وفى ما عدا ذلك لم نستحدث وسيلة مبتكرة تعين فى مواجهة هذه الحرب وأطرافها المتعددين!
علينا أن ندرك أن تجديد الخطاب الدينى أمر مهم جداً ومطلوب، لكن ليس المهمة التى يجب أن تتصدّر مقدمة أولوياتنا ومساعينا لتحقيق الانتصار الحاسم فى مواجهة الحرب الحالية التى تستهدفنا.
لا بد من الإسراع فى وضع وتنفيذ استراتيجية شاملة للمواجهة تتضمن تلبية كثير من الاحتياجات الحياتية والمعرفية والثقافية المختلفة التى يحتاجها الناس، خاصة فى مناطق الريف بالوجه القبلى والبحرى، وهى الساحة الأكثر تفريخاً لعناصر الإرهاب والتطرف.
ورغم دقة التشخيص من خطر حروب الجيلين الرابع والخامس على استقرار الدولة، فإن هذا، حسبما أرى، ليس كافياً لتحقيق الانتصار فى هذه الحرب!
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع