توقيت القاهرة المحلي 05:32:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الأزهر يبدأ ثورته الناعمة

  مصر اليوم -

الأزهر يبدأ ثورته الناعمة

بقلم - محمد أبوالفضل

 الانتقادات العنيفة التى تعرض لها الأزهر بسبب اتهامه بالتعثر فى تجديد الخطاب الديني، تعامل معها فى البداية كأنها تنتقص من دوره التوعوي، وشعر البعض بأنها تزيده عنادا، ولم يقدم على خطوات ملموسة تطمئن من راهنوا عليه فى التصدى لأفكار الجماعات المتطرفة.  الخطوات التى شرع الأزهر فى اتخاذها أخيرا بشأن الاشتباك مع كثير من القضايا المجتمعية، جعلت البعض يعيدون النظر فى تقديراتهم السابقة. فلم يتصوروا أنه سيأتى اليوم الذى يتطرق فيه الأزهر لقضايا تهم المرأة، مثل التحرش الجنسى والحجاب والنقاب، ويتبنى طرحا حضاريا ينصف فيه حرية السيدات.  المسألة تجاوزت ذلك إلى إعادة النظر فى كثير من المسلمات التى كانت فى حكم المحرمات. فقد نشرت جريدة الأزهر الرسمية غلافا حوى صورا لسيدات غير محجبات، كتبن مقالات حول قضايا نسوية مثيرة للجدل، وتطرق بعضها لموضوعات تخالف الرؤية التقليدية التى حافظ عليها شيوخه.  الثورة الفكرية التى شرع الأزهر فى القيام بها، جاءت متأخرة فى نظر البعض، وهذا لا يهم فأن تأتى متأخرا خير من ألا تأتى أبدا، فقد كان بحاجة إلى إظهار المرونة المعروفة عنه تاريخيا، بما يتماشى مع رجاحة شيخه الدكتور أحمد الطيب، الذى واجه بثبات الحملات التى حاولت التشكيك فى دوره، والتقليل من قيمة المؤسسة التى يرأسها.  الحاصل أن الحذر الذى بدا عليه فى الاقتراب من بعض القضايا الحيوية، وفى مقدمتها تجديد الخطاب الديني، جعله يتعرض لانتقادات كثيفة، بعضها كان حسن النية، والبعض الآخر جاء عن سوء قصد. وفى الحالتين من الضرورى تغيير الدفة والاستماع إلى صوت العقل الذى يفرض نهضة هذه المؤسسة من كبوتها والقيام بدورها التنويري.  التغييرات الجارية تسير بوتيرة بطيئة، ولم تصل بعد إلى جوهر القضايا التى تؤكد أن الأزهر يملك رؤية تتواءم تماما مع تطورات العصر، وقادر على دحض أفكار الجماعات المتشددة، لأن انسحابه، طوعا أو تحت ضغوط عدد من شيوخه، أدى إلى ترك الساحة لجهات لها مآرب سياسية خفية.  الغياب الظاهر عن بعض القضايا المهمة مكن دوائر أخرى من محاولة منازعته اختصاصه، وفتح الباب لكثير من الاجتهادات لاستفزازه وحضه على تقديم مقاربات تعزز اقترابه من نبض المجتمع، ولم يعد مستغرقا فى موضوعات تراثية.  الخطوة التى ينتظرها كثيرون من الأزهر تتعلق بإحداث ثورة ناعمة فى المناهج التعليمية وتنقيحها من الأفكار التى يستخدمها البعض دليلا على عدم سماحته، فضلا عن التخلص من سياسة التلقين التى تجاوزها الزمن، وتربية جيل منفتح ويؤمن بفضيلة الاجتهاد، التى حفظت للأزهر مرونته، وحولته إلى مؤسسة تحظى بمكانة عالية فى كثير من الدول الإسلامية، لو جرى استثمارها جيدا لحققت لمصر فوائد سياسية كبيرة.  لقد لمست بنفسى هذه المكانة، عندما قمت بزيارتين لدولة إندونيسيا خلال عامى 2014 و2017، فلم يتم التعامل معى كصحفى مصرى فى جميع اللقاءات التى جمعتنى مع مسئولين ومثقفين فى جاكرتا، بل اعتبرونى صحفيا جاء من بلد الأزهر. ووجدت عددا كبيرا ممن التقيتهم إما درسوا فى الأزهر وإما لهم أقارب خبروا العلوم الفقهية فى جامعته. والكل يحمل حنينا وولاء لهذه المؤسسة، ويحتفظون بانطباعات إيجابية.  الحضور اللافت الذى يملكه الأزهر فى الخارج لم يتم توظيفه جيدا حتى الآن، وبقليل من التفكير والتخطيط يمكن أن يساعد فى تطوير علاقات مصر مع دول كثيرة، يفضى إلى مردودات مادية متعاظمة.  المفارقة أن القيمة المعنوية التى يحظى بها الأزهر فى الخارج تراجعت فى الداخل، عندما أخفق فى الإمساك بدفة التجديد قبل أن يطالبه أحد، وعندما تراخى فى الدفاع عن نفسه ولم يقدم رؤى عصرية، وجد فى الانتقادات التى وجهت إليه تكئة لتبرير تقاعسه، وتم إلصاق وصف «العلماني»، بمعناها السلبى المتداول (ضد الدين)، بكل من طالبوا بتجديد خطاب الأزهر.  بدلا من مجابهة الانتقادات بالمنطق والرد عليها بما يتسق مع الواقع، تحولت المسألة إلى معركة حامية بين فريقين، كل طرف يريد أن يهزم الآخر بالضربة القاضية. وكانت الحصيلة افتعال صراع فى غنى عنه، أصبحت المحاكم إحدى ساحاته، وارتفعت فيها الحناجر وغابت الأصوات العاقلة.  البعض حاولوا إحداث ضجيج مفتعل وتوسيع الشروخ فى الأزهر، بذريعة عدم قدرته على تطوير أفكاره، وهناك من سعوا إلى إيجاد فتنة بينه والحكومة، والتحريض عليه من خلال تحميله المسئولية الكاملة لتمدد الجماعات المتطرفة.  النقطة الرئيسية هنا أن الأزهر لم يسقط أمام هذا الطوفان، وحافظ على قدر ملحوظ من توازنه، وهو يجرى عملية تغيير تدريجيا فى بعض هياكله، حتى فاجأنا بجملة من المواقف المجتمعية التى تشير إلى وجود قراءة مغايرة قد تتم بالنسبة لدوره مستقبلا، ويبدو أن هناك عملية تجديد حقيقية يجرى الاعداد لها، ربما لم تتبلور معالمها النهائية بعد، لكن ملامحها الظاهرة تؤكد الحرص على عدم التضحية بالأزهر.  الدوائر التى اجتهدت فى ملء الفراغ الذى سببه الغياب النسبى للأزهر لم تستطع سده. وبدت بعض التصرفات كأنها نوع من استعراض للقوة الصاعدة، أو الانتقام وتصفية الحسابات مع البعض. وكان من تداعياتها الدخول فى معارك جانبية، والانشغال بها على حساب مواجهة نمو الأفكار المتشددة فى قاع المجتمع.  النتائج الراهنة تشى بأن هناك استدارة أو استفاقة كبيرة داخل مؤسسة الأزهر، ورغبة فى استعادة مكانته داخل المجتمع عبر الالتحام مع قضاياه الحيوية، وتبديد الشكوك التى راودت البعض من المثقفين، وجعلتهم يفقدون الثقة فى التجديد.  الفترة المقبلة تتطلب تكاملا فى الجهود بين الجانبين، الأزهر والنخبة الثقافية، وبدء صفحة من الحوار البناء، تنهى الخلاف الذى احتل مساحة بارزة من الجدل، وانعكست آثاره فى عدم تقديم رؤية شاملة لتجديد الخطاب الديني، وجنت الحركات المتشددة من ورائه ثمارا فكرية ضاعفت من أزمة المؤسسة العريقة وكادت تحبط من يعولون على دورها.  الأزهر أمامه فرصتان، إحداهما تتعلق بالانفتاح على هموم المجتمع ونخبه المتعددة، والأخرى الاقدام على مزيد من خطوات التطوير الجريئة، بما يعيده إلى الصدارة كمؤسسة دينية أولى فى العالم، ومواجهة القوى التى تريد تقزيمه، بما ينزع عن مصر ورقة سياسية غاية فى الأهمية.

نقلا عن الاهرام القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأزهر يبدأ ثورته الناعمة الأزهر يبدأ ثورته الناعمة



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon