بقلم - محمود العلايلي
صحوت منذ يومين على عدد من الرسائل على فترات متباعدة من الليل، يطلب منى عماد الاتصال بإلحاح على غير عادة، مما لا يدل على أهمية الموضوع فقط ولكن لهفته بسرعة الاتصال أيضا، وهو ما جعلنى أتصل حتى قبل أن أعد قهوة الصباح، فعاجلنى باستنكار سائلا لماذا أصبحت أنام لهذه الساعة المتأخرة؟، مع علمه أنها لم تتجاوز السابعة، ولكن يبدو أن انتظاره للمكالمة جعله يستأخرنى مما جعلنى أهاجمه احتياطيا طالبا منه أن يترك المعاتبة والتأديب ليدخل فى الموضوع العاجل الذى دفعه ليكتب كل هذه الرسائل المتتالية المقلقة على مدار الليل.
لم يضيّع عماد الوقت قائلا: هل قرأت عن موضوع لاعب الاسكواش الدولى «محمد الشوربجى» الذى أعلن أنه تجنس بالجنسية البريطانية وسوف يلعب تحت العلم الإنجليزى؟، وبما أنى متابع جيد لرياضة الاسكواش وأحرص على متابعة بطولاتها وأعرف لاعباتها ولاعبيها ومراكزهم فى التصنيف الدولى، فقد أجبته أنى قرأت ذلك وسمعت الشوربجى فى حديث أو بيان لإحدى المحطات البريطانية يعلن ويشرح موقفه، مما شجع عماد أن يعاجلنى: وانت رأيك إيه؟.
فأجبته وقد عرفت سبب إلحاحه الليلى: تقصد رأيى فى قرار الشوربجى أم فى ردود الأفعال عليه؟، فأجاب دون تفكير «الاثنين». وهنا أخذت فرصتى فى عدد من رشفات القهوة الصباحية التى كان الأمتع منها هو إحساسى بلهفته وتمسكه بالأدب والهدوء حتى أدلى برأيى: إن الشاب يعيش فى انجلترا منذ أكثر من 15عاما وقد درس وتدرب هناك كل هذه السنوات التى مثل فيها مصر ناشئا ثم بطلا متربعا على رأس التصنيف الدولى لسنوات عديدة قاد فيها جيلا من لاعبى الاسكواش لتسيد اللعبة دون منازع.. عماد: وبعدين؟، فأردفت أن الاسكواش لعبة فردية يعود التفوق فيها على اللاعب فى المقام الأول مع فريقه التدريبى، ثم على عائلة اللاعب فى مقام آخر، وهو عنصر تنفرد به مصر عن سائر بلاد العالم، وبعدها يأتى دور الاتحاد المنظم للعبة محليا فى مسألة تبنى المواهب ورعايتها.
إلا أن عماد بدأ فى النرفزة وصاح: أنا لا أطلب منك أن تسلينى بحكايات عن الاسكواش، ما هو رأيك فى مسألة لعبه تحت العلم الإنجليزى؟، فأجبت بهدوء بعد أن فطنت لسبب المكالمة الذى لا يصرح به: إن الموضوع أدبيا يعود إلى الشاب الذى يعلم ظروفه الشخصية والرياضية أكثر من أى أحد آخر، أما فعليا فإن المنتخب المصرى لن يضار بأى حال لأن لنا سبعة لاعبين من العشرة المصنفين الأوائل، والمنتخب المصرى مسيطر على بطولات الفرق فى غياب محمد الشوربجى آخر خمس سنوات.
وهنا سألنى عماد وكأنه يعترف لى بسبب المكالمة الحقيقى: طب إيه رأيك فيمن اعتبروا تلك الخطوة من قبيل التخلى أو الخيانة؟. وهنا وجدتها فرصة للسخرية منه: لا تأخذ المسألة بشكل شخصى لأن لا أحد اهتم أن تحتفظ بجنسيتك أو تتنازل عنها، ثم عاودنى الالتزام بالموضوعية فقلت: إن ارتباط المصريين بالأرض يجعل التعصب للجنسية المصرية أمرا شوفينيًّا له تفسيره، فى الوقت الذى يعد فيه الكثيرون منهم من ذوى الجنسيات المزدوجة، ولا ينكر آخرون احتياجهم إلى التجنس بجنسية أخرى قد تساعدهم على توفير حياة أفضل أوعلى سهولة التنقل والسفر، أما اعتبار هذه الخطوة من قبيل المؤامرة أو الخيانة ففى ذلك مبالغة غير مرغوب فيها.
وغالبا تعود إلى الغيرة على اللعبة وتفوقنا فيها فى المقام الأول، وإن كنت لا أنكر أننى لم أكن سعيدا بالمرة وأنا أرى اسم الشاب مقترنا بعلم انجلترا فى بطولة حالية، لأنه على الرغم من العولمة وذوبان الحدود بين الأفكار والقيم مازال للمصريين ذلك الارتباط بالأرض الذى يتم التعبير عنه بشكل متعقل فى بعض الأحيان وبشكل متعصب فى أغلبها.