توقيت القاهرة المحلي 19:41:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الدين والتنوير

  مصر اليوم -

الدين والتنوير

بقلم - محمود العلايلي

يتم إطلاق لفظ التنوير على أى تطور اجتماعى وسياسى مرتبط شرطا بالإصلاح الدينى الذى يتم التأسيس له. والحقيقة أن الكثيرين يبذلون فى هذا المجال جهودا كبيرة فى محاولات التغيير بالدخول فى تفاصيل الأحكام الدينية، أو بمحاولة دفع المؤسسات الرسمية للدولة لتبنى دعوتهم بإجراء هذه الإصلاحات.

والحقيقة أيضا أن هذه المجهودات لها جمهور من المؤيدين، ولكن أعدادهم لا تقارن بالمتدينين الذين تستنفرهم هذه الدعوات باعتبارها معادية للدين المألوف الذين يأنسون له ويتبعون أحكامه، وهو ما يجعل الجانب الرسمى الحكومى فى حرج من تبنى أى من هذه الدعوات حتى وإن كان البعض يرى نفعها السياسى، وذلك لأن عدد من الحكوميين لديهم هذا المزاج الدينى المحافظ من ناحية.

ومن ناحية أخرى هم محاطون بالقلق من الدخول فى معركة تعرّض إيمانهم للشكوك، أما على جانب ثالث فدعونا نسأل بوضوح: هل إذا تحققت كل أو بعض هذه الإصلاحات المستهدفة سيؤدى ذلك إلى تقدم المجتمع وتطوره؟.. إن الإجابة بلا مزايدة هى أن ذلك قد يؤدى إلى بعض التغيرات الإجرائية على مستوى بعض التشريعات، ولكن- من وجهة نظرى- لن يؤدى واقعيا إلى تغيرات فعلية على سبيل تطور المجتمع وتقدمه.

إن الإصرار على ربط التطور بتطويع الدين يعد استسهالا فى بعض الأحيان، كما يعد من قبيل الارتباك فى أحيان أخرى، لأن ذلك مثل من وقع منه شىء وضاع فى حجرة مظلمة بينما ذهب يبحث عنه فى الشارع المضىء، وذلك لأن معايير التطوير المعروفة هى الأخذ بالعلم والاهتمام بالصحة والتعليم فى إطار من الـتطوير السياسى والاقتصادى والاجتماعى تحت مظلة قانون صارم يساوى بين جميع المواطنين فى التشريع وفى التطبيق.

أما مسألة إرجاع كل مساوئ التخلف إلى الدين فمسألة تحتاج إلى المراجعة، لأن الاعتماد على الغيبيات والتواكل على المعجزات يعود إلى نوازع من العادات والتقاليد أكثر منها أمورا يحض عليها الدين، بينما إذا عدنا إلى ما يمكن أن يعطله الدين فى طريق التطور، فهو يتمحور حول ممارسات رجال الدين على مر العصور، فى محاولة لتثبيت سلطتهم على حساب السلطة السياسية وسيطرتهم على العامة بالفتوى حينا وبالتحليل والتحريم أحيان أخرى، بالإضافة إلى خطورة بعض التنظيمات السياسية التى تستخدم الدين كعنوان لتطلعاتها السياسية والسبيل للوصول لأهدافها، وهما أمران يحكمهما القانون إذا كان مستتبًا ومطبقًا على الجميع.

إن المجهودات المبذولة فى اتجاه ما نتفق على تسميته «التنوير» يجب أن تركز على ترسيخ العلم والتعليم، والابتعاد عن فكرة هز المعتقدات الدينية للمؤمنين، فعصر النهضة فى أوروبا كان حركة علمية وفلسفية وفنية مصحوبة بالإصلاحات السياسية والاجتماعية، وشُرّعت القوانين التى أدت بالتالى إلى تحجيم دور الكنيسة السياسى وقصره على المسائل الدينية دون المساس بجوهر العقيدة المسيحية.

أما محاولة زعزعة الإيمان بالسخرية من المعجزات المرتبطة بالعقيدة، مثل شق البحر أو معجزة ميلاد المسيح وقيامته، أو معجزة الإسراء والمعراج، فذلك لن يزيد من أعداد المؤيدين للتجديد، كما أنه لن يشتت معسكر المؤمنين من كل الأديان، ولكنه يدفع لنقاشات جانبية لا تؤدى إلا إلى ضياع الوقت والمجهود فى وضعية لا تفيد إلا المستفيدين من التخلف والجمود.

ولكن التغيير الحقيقى يحتاج لتغيير فى المنطلقات وتحديد الهدف، لأن الارتكان إلى أن الدين عكس التنوير أو أن التنوير عدو الدين ما هو إلا تمييع للمسألة وتعتيم على الهدف، بينما الأعداء الحقيقيون للتطوير هم الممارسات السياسية والاجتماعية الغارقة فى التخلف والرجعية، إلى أن يشرّع القانون ويطبق على الناس بصفتهم مواطنين وليس بصفتهم جماعة من المتدينين، سواء كانوا من نفس الديانة أو من ديانات مختلفة، لندرك وقتها أن الإصلاح الدينى نتيجة تلقائية لتقدم المجتمع وليس سببًا أو وسيلة للتطوير.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدين والتنوير الدين والتنوير



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon