بقلم - محمود العلايلي
لم أفاجأ عندما علمت أن عماد فى القاهرة حتى وإن لم يخبرنى قبل قدومه، وذلك لمعرفتى أن أوقاته أصبحت أكثر حرية بعدما اعتزل العمل تقريبا، بالإضافة إلى أن الكثير من المغتربين يحبون قضاء أجزاء من شهر رمضان فى مصر لما فيه من أجواء خاصة، بالإضافة لأن الأسبوعين القادمين فيهما عيد القيامة ويليه عيد الفطر، بما فى تلك المناسبات من أجواء خاصة بكل عيد منها.
وكعادة عماد فقد اتصل بى وكأنه لم يغادر القاهرة خلال الفترة السابقة، طالبا منى أن أصحبه إلى البنك فى اليوم التالى، لأن هناك بعض الإجراءات التى يرانى أجدر منه فى التعامل بها بصفتى معتادا على النظام البنكى المصرى، وهى حجة عماد الدائمة عندما يرغب فى توريطى معه على اختلاف طلباته واختلاف الخبرات التى يسبغها على فى كل حالة منها، حتى إنه عندما طلب منى أن أكون جاهزا الساعة الثامنة صباحا ونبهته أن البنوك تبدأ عملها فى التاسعة والنصف خلال شهر رمضان.
فما كان منه إلا أن قال لى مشجعًا: ماذا أفعل بدونك يا صديقى العزيز! معتقدًا أنه أشبع غرورى بهذه المجاملة السمجة التى لن تعوضنى عن الوقت الذى سيضيع منى معه فى هذا المشوار الصباحى، وما ينتظرنى من مشاوير أخرى خلال فترة إجازته التى لن تقل عن فترة عيد الفطر بكل تأكيد!.
وعندما وصل إلىّ عماد قبل موعده كعادته، وكنت فى انتظاره قبل الموعد كعادتى أيضا، اتجهنا ناحية فرع البنك الأهلى المجاور لبيته، ولكن ما إن وصلنا حتى شاهد عماد كم العملاء الجالسين خارج البنك بنظام، فبدا عليه تساؤل مختلط بالانزعاج عن أسباب ذلك، فأفهمته أن هذه الإجراءات اتباعا للإجراءات الاحترازية من وقت انتشار «كوفيد 19» ثم إن هذا الزحام أيضا لأن البنوك لا تعمل إلا أربع ساعات فقط فى رمضان.
وهنا شعرت بأن عماد يهم بتوجيه إحدى مجاملاته السمجة على توضيحى فوجدت أن أسكته بشكل عملى فسألته إن كان لديه حساب فى البنك الأهلى فكان رده بالنفى وأنه نزل مصر خصيصًا لتحويل بعض مدخراته إلى الشهادة السنوية التى تعطى عائدا 18% من بنكى الأهلى ومصر، فاقترحت عليه أن نذهب إلى أحد الفروع الإلكترونية للبنك الأهلى، حيث يستطيع أن يفتح حسابا ثم يلى ذلك تحويل الأموال التى يرغب فى إيداعها عن طريق الإنترنت البنكى، وهو الاقتراح الذى أبهر عماد بين مصدق وغير مصدق، حتى إنه لم يحاول أن يتحفنى بأى مجاملة ربما لشكه أن هذه الخدمات متواجدة فى مصر من الأساس.
وما إن خرجنا من أحد الفروع الإلكترونية للبنك فى أحد المولات الكبرى بمنطقة 6 أكتوبر حتى بادرنى عماد عن سبب إصدار هذه الشهادات ذات العائد المرتفع فى هذا التوقيت بالذات، وكان ردى أن المسألة مرتبطة بتعديل سعر صرف العملات الأجنبية لمنع الهرولة نحو شراء الدولار بالتحديد لمنعه من أى قفزات وتحجيم أى سوق موازية قد تنشأ نتيجة لذلك، بالإضافة إلى الحفاظ على الرصيد المتواجد من العملات الأجنبية وزيادتها عن طريق إغراء الكثيرين بتحويل مدخراتهم من العملات الأجنبية إلى الجنيه المصرى لإيداعها فى تلك الشهادات ذات العائد المرتفع مثلما فعلت.
إلا أن عماد علق بأن ذلك قد يؤثر على استثمار هذه الأموال فى مشروعات تجارية أو صناعية، وهو محق فى ذلك تماما، حيث تحتاج الفترة القادمة ألا تطول مدة إصدار تلك الشهادات، مع فتح المجال للاستثمار دون قيود إلا بالقواعد المنظمة ودون تدخل فى آليات الأسواق، سواء بتوجيه الاقتصاد أو التنافس فى السوق بشكل قد يبدو إيجابيًا فى أوله، إلا أن نتائجه السلبية ستظهر بأسرع مما نتوقع.