توقيت القاهرة المحلي 12:33:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التراث بين النوستالجيا والشوفينية

  مصر اليوم -

التراث بين النوستالجيا والشوفينية

بقلم - محمود العلايلي

فى نفس الأسبوع الذى طالعتنا فيه وكالات الأنباء الدولية عن إنجاز بشرى تاريخى بنجاح مجموعة من العلماء فى التقاط صورة للثقب الأسود، وأخبار أخرى عن تحطم مركبة فضاء إسرائيلية على سطح القمر، ونجاح شركة سبيس إكس فى إطلاق أقوى صاروخ قيد التشغيل فى العالم فى أول رحلة تجارية له، فاجأتنا الصحف المصرية بخبر عجيب تناولته منصات التواصل الاجتماعى، عن أستاذ أزهرى تحدى تلاميذه فى إحدى قاعات الدرس أن يخلعوا سراويلهم نظير حصولهم على الدرجات النهائية متمثلين أحد الأحداث التاريخية، وهو ما رفضه أغلب الطلاب، إلا اثنين منهم قاما بذلك وتم إثبات ذلك بالتصوير والنشر.

وبالطبع انقلبت الدنيا سواء من مؤسسة الأزهر، التى قامت بوقف الطلاب والأستاذ ورئيس القسم والعميد، أو من مرتادى منصات التواصل والكتاب والمحللين الذين واتتهم الفرصة للهجوم على الأزهر وقياداته ومناهجه وادعاءاتهم بتجديد الخطاب الدينى أو تطوير المناهج.

وواقع الأمر أن كل هذه ردود أفعال وقتية لموقف وقتى لأن المسألة أكبر من الحدث بكثير، وذلك لأن فى مصر ما يقرب من 9600 معهد أزهرى يدرس فيها نحو مليونين ونصف المليون تلميذ، بينما جامعة الأزهر بها حوالى 290 ألف طالب يدرس جميعهم معظم هذه المواد التراثية، بكل ما فيها من أحداث موضوعية وأخرى موضوعة، وما حواه هذا التراث مما يلائم الأزمنة التى حدث فيها ومزاجات من تحقق منها.

وإذا نظرنا للمسألة بشكل أكثر تحديدا فدعونا نتساءل: هل المشكلة فى المناهج فى ذاتها أم فى طريقة تناولها؟، فهل يتم تناول التراث على أنه ما خلفه الأجداد من تواريخ وأحداث وثقافات وعادات وتقاليد، أم نتناوله من جانب النوستالجيا، أى بالحنين للماضى الذى نتخيله مثاليًّا ونتوق للعيش فيه؟

واقع الأمر أنهم يتناولونه من النقطتين معًا بالإضافة لما هو أخطر، لأنهم يتعاملون مع التراث بطريقة شوفينية فجة، والشوفينية هى الاعتقاد المبالغ فيه لشىء والتعصب له برفض التعامل مع سواه، والحط من قدر كل ما يخالف ذلك، وفى الأغلب يكون لأسباب غير منطقية، والشوفينى يشعر بالولاء الشديد فى دفاعه عن معتقده، كما ينتابه شعور بالخيانة إذا تقاعس عن ذلك أو تهاون فيه، والأهم هو الانسياق خلف المحاولات الفردية لهؤلاء الشوفينيين بانتقاء أكثر التوجهات المتطرفة فى طيات هذا التراث كمحاولات للتفوق والتفرد بين الأقران المتنافسين.

وعلى جانب آخر، فإن الأمر غير المنطقى أن يكون هناك هذا العدد المهول من التلاميذ والطلاب المصريين الذين يقومون بدراسة هذه المناهج الموغلة فى القدم والغرابة، بينما تقتصر دراستها فى أغلب أنحاء العالم على المتخصصين فى شؤون التراث والفلكلور والتاريخ، وليس على مستوى تلاميذ وطلاب فى مراحل التكوين العقلى والنفسى، ولا تأتى الخطورة من ذلك كما يحلو للبعض اختصاره فى مسألة تخريج المتطرفين والإرهابيين فقط، ولكن الأهم هو تنشئة أجيال متعاقبة تعيش فى الماضى بما فيه من تباين ثقافى واجتماعى، وعلى مخرجات التراث بما فيها من أوهام وضلالات، إن لم تكن من صنع كاتبيها فهى نتاج عصرها ومستخرجات معطياته، فينظرون إلى الزمن الحالى باغتراب ويتعاملون معه بتوجس خوفًا من خيانة ما درسوه، وخشية الوقوع فى براثن المستقبل الذى تم شيطنته مسبقا بدواعى الكفر والابتداع.

إن كشف العورة ليس لأن هؤلاء الطلبة قد أقدموا على خلع سراويلهم للأستاذ تحديًا، ولكن العورة المكشوفة حقًا أن يظل جزء كبير من المجتمع عارى المخ، مسلوب الإرادة، مغيب الوعى، موهومين بالشوفينية التراثية التى تدفنهم تحت صفحات كتبهم وتوهمات أسفارهم، معتقدين صدقًا أنهم الأحياء؛ بينما باقى العالم هم الموتى.

نقلا عن المصري اليوم

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التراث بين النوستالجيا والشوفينية التراث بين النوستالجيا والشوفينية



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon