بقلم - محمود العلايلي
وبعد مغامرة مخيفة فى الطريق، الذى يُعاد تطويره، بعدم وجود الحد الأدنى من اللافتات التحذيرية أو الإرشادات لتجنب أخطار إعادة الرصف والتوسعة، كان علينا أن نمر بمارينا 6 لنأخذ مفتاح الشاليه من شاب عشرينى هو أحد أبناء أقرباء عماد الذى استعار الشاليه لمدة أسبوع مضى، وسلم علينا الشاب بكل أدب واستأذن أن نُقِلّه فى طريقنا إلى إحدى القرى حيث ينتظره أصدقاؤه، ووجدها عماد فرصة أن يدير معه الحوار وهو على عجلة القيادة، فسأله وهو يطلب منه أن يربط حزام الأمان فى المقعد الخلفى: «إيه الكلام اللى بيتقال على الطريق الجديد، وإيه رأيك إنت يا رامى؟».ويبدو أن شهوة الكلام تسرى فى دماء هذه العائلة، فانطلق الولد مستعرضًا ومستدركًا ومتسائلًا دون أن ينتظر إجابة أو استفهامًا: «كل ده أغلبه تحوير يا أونكل، أى واحد عايز يهبد هبدة يروح كاتب بوست على فيسبوك يشرد للطريق وتصميمه ويركب التريند»، ودون أن يستجيب الشاب لمقاطعة عماد بحكم جينات العائلة استمر: «بس أول إمبارح كان واحد راكب عربية سبور جامدة وسايق بسرعة طحن فى البطىء خيِّش فى السور، والحمد لله ماخبطش حد، بس هو زعل جامد، والعربية ادشملت!. ممكن حضرتك تنزِّلنى على الجنب هنا؟».
وبعد أن ألقى عماد بالشاب على جانب الطريق وتخلص من صداعه، نظر لى مستغربًا متسائلًا إن كنت قد فهمت ما يعنيه الولد، فأجبته بالطبع، فاستدرك إن كانت هذه الألفاظ معناها إيجابى أم سلبى، فقلت موضحًا: حسب سياق الحديث، فأكمل وكأنه يوقعنى: يعنى إنت بتقول الكلام ده؟، فرددت بأننى أصبحت أفهمه مع الوقت، ثم اعترفت بأننى لا أستطيع استخدام هذه المفردات أو التعبير بها فى جمل.
فرد عماد مثل أى عجوز تقليدى: أنا تُهت من الولد، لم أكن أملك إلا أن أهز رأسى، وهو منطلق دون توقف ودون أن يدرك إن كنت أتابعه بفهم أم لا، وساعتها شعرت أن القدَر فى صفى أن أرسل لى رامى ليعذب عماد قليلًا وأن علىَّ أن أرتدى ثوب الحكماء لأجهز عليه: فدخلت بصوت واثق بأن اللغة عملية اجتماعية ديناميكية تتغير وتتطور مع الزمن، والناس يبتدعون تعابير وألفاظًا تناسب ما يريدون الإشارة إليه فى سياق أحاديثهم وبما يناسب أعمارهم، وفى أحيانٍ تقتصر تلك الألفاظ على طبقات اجتماعية دون أخرى.
فقال: ولكن، وإمعانًا فى قمعه أكملت: وقد تأتى هذه التغييرات على هيئة موجات تنتشر فيها حزم من ألفاظ وتعبيرات جديدة تسود على ما سبقها، وقد يُكتب لها الاختفاء أو الثبات بحكم القدرة على التعبير والقبول لدى الطبقات الاجتماعية المختلفة، هل تذكر يا عمدة عندما ظهرت للوجود لفظتا «طنش» أو«قشطة» على وقتنا، وكم أخذنا من وقت لنتداولهما ونعرف كيف نستخدمهما فى سياق مفهوم، وهل تذكر «الجو» وكيف كان لفظًا سائدًا للتعبير عن العلاقة بين العشاق والعاشقات.
وبالطبع لم يعجب عماد أن أستحوذ على الميكروفون أكثر، فعاد إلى الموضوع الأصلى ونحن نصعد أحد هذه الكبارى الدائرية للوصول إلى منتجعنا، حيث علق أنه حل ممتاز يحتاج للتجربة من المستخدمين حيث لم نعتد هذا النمط من التشابكات المرورية، وإن كان ازدواج الطريق البطىء يؤدى إلى تكدسات أمام بعض المنتجعات وقت الذروة، فذكرته بما قال رامى عن الكتابة عن الحوادث.
فوجدها فرصة للرد متهكما بأن معدل الحوادث يقاس بالأرقام، والمقارنة بينها وبين الأعوام الماضية وليس بالكتابة على السوشيال ميديا، مع كل الاحترام والتعاطف مع أى ضحية ومع ذويه. ولم أجد طريقة أفضل لأسكته إلا أن أطلب منه السكوت ليركز أى المخارج نأخذ حتى لا يفوتنا مدخل القرية، فرد بعصبية: «ركز إنت، إنت فاكرنى خواجة حاتحور عليا!».