بقلم - محمود العلايلي
منذ أن دعا السيد رئيس الجمهورية إلى إقامة حوار وطنى، والكلام عنه لم يتوقف، حيث ثارت التساؤلات تلو الأخرى حول ماهية الحوار وطبيعته، وهل المدعوون على نفس قائمة الدعوات لإفطار العائلة أم أن للحوار طبيعة مختلفة، ومن ثَمَّ فإن المدعوين سيكونون من طبيعة مختلفة أيضًا، والحقيقة أن هذين السؤالين يأخذاننا إلى ما هو أهم من الحوار، وهو آلية الحوار، فمَن الذى سيضع أجندة الحوار بشكل عام، ومَن سيقرر نقاط النقاش ومحاوره بشكل خاص، ثم على وجه التحديد إلى أى حد ستكون مخرجات هذا الحوار ملزمة للأطراف الحاضرة فى هذا الإطار غير الرسمى، وبالتالى غير الملزم إلا بالالتزام الأدبى دون ضوابط قانونية أو دستورية
أما النقطة الثانية التى تختص بالمدعوين فمن المهم أن تتضح الصورة للقوى السياسية- غير الممثلة فى دوائر صناعة القرار مثل المجالس التشريعية- أن تعرف الطريقة التى تتم على أساسها دعوتهم أو دعوة غيرهم حتى لا نجد أنفسنا أمام معايير وآليات اختيارات القوائم المطلقة فى انتخابات مجلسى النواب والشيوخ حتى نستفيد من تلك اللحظات الفارقة فى وجود أشخاص وأفكار على موجات مغايرة لما قد يكون عليها الطرف الداعى، وهو أمر شديد الحساسية، ويتطلب سعة صدر من الإدارة السياسية وتفهمًا من المدعوين، الذين عليهم إدراك أنه قد تمت دعوتهم إلى التفاهم المشترك وطرح الأفكار المتبادلة وليس الهجوم والابتزاز واستغلال الموقف لتحقيق مكاسب سياسية متخيلة فى توقيت يمكن فيه أن تتحقق منافع واقعية إذا تم استخدام الفرصة بحكمة.
من السهل أخذ هذا النوع من الدعوات على محمل اليأس وانعدام الأمل فى جدواه، وإنما من الأجدى أن تنظر الأطراف المدعوة وغير المدعوة من فتحة الباب، الذى واربته الإدارة السياسية لدخول قوى غير التى اعتادت التعامل معها على مدى السنوات الماضية برغبة حقيقية فى التغيير مع عدم رفع سقف التطلعات للمدى الذى يصعب تحقيقه فى هذه المرحلة حتى لا تكون الصدمة من النوع الرومانسى نتيجة ارتطام الأحلام بقسوة صخور الواقع والحقيقة.
وبالقدر الذى لا تقتصر فيه مسؤولية نجاح الحوار على الطرف الداعى، إلا أن الكثير من المسؤولية يقع على بعض هؤلاء المدعوين، الذين لم يكفوا عن التصريحات بالإشادة بنتائج حوار لم يبدأ بعد ونجاحه فى بناء الإنسان وتحقيق رفاهيته وكفايته، وعلى الجانب الآخر فهناك نوعية أخرى من السياسيين الذين يتحدثون عن مطالب بشكل مرسل مثل المطالبة بالإصلاح السياسى والإصلاح الاقتصادى والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد والقضاء على البطالة، وهى عبارات لا تكاد تخرج عن نطاق البلاغة السياسية.
ويرددها البعض دون مسؤولية أو إلزام إلا حشو الأوراق وإمداد الإعلام الموجه عن أثر التفاهم بين السياسيين والإدارة السياسية، فى وقت كان الأولى فيه الكلام بالتحديد عن تغيير نظام الانتخابات ودوائرها لضمان التمثيل الحقيقى للمواطنين، والدخول فى تفاصيل الرؤية للاقتصاد الكلى والسياسات النقدية بطرح واضح وحلول مفصلة لتكون لهذا الحوار نتيجة فعلًا، ولا يكون حضوره من باب الوجاهة السياسية أو تسجيل المواقف، فى وقت تحتاج فيه الدولة إلى حلول قابلة للتحقيق أكثر من المكاسب الآنية لأى طرف.
إن إقامة هذا النوع من الحوار بشكل موازٍ لانعقاد المجالس التشريعية الرسمية قد تكون مربكة للبعض، كما قد تكون محبطة للبعض الآخر، ولكن مازال مضمار الحوار فرصة لسطوع أسماء جديدة على مسرحه وخروج أفكار غير اعتيادية قد تصادف صوابًا أو تحل معضلة، وذلك إذا كانت الرغبة فى الخروج من الوضع المتأزم أكبر من الرغبة فى إثبات الذات، وإذا أدرك الجميع أن الأهم من الدعوة إلى الحوار هو أن يكون هناك حوار من الأساس وله مخرجات قابلة للتحقيق.