بقلم - عادل اللبان
استقر الرأى والتحليل على قراءة الحرب الأهلية الجارية فى اليمن على أنها جولة جديدة من جولات الصراع السعودى الإيرانى أو السنى الشيعى فى الشرق الأوسط بعد تصادمهما السابق فى العراق وسوريا ولبنان، أى أنها حرب جديدة بالوكالة يمثل الحوثيين الجانب الإيرانى فيها بحكم طائفيتهم الزيدية الشيعية ويمثل شوافع عدن مع غيرهم من الأطراف اليمنية الشمالية جانب التحالف السعودى فى هذا الصراع.
لكنه من الممكن النظر إلى الأمور فى إطار آخر بعيداً عن التسطيح الطائفى المقيت، فحرب اليمن جائزتها الإستراتيجية الكبرى هى السيطرة أو على أقل تقدير المشاركة فى السيطرة على مضيق باب المندب بما لذلك من تأثير ضخم سبق شرحه فى المقال السابق على الملاحة الدولية وتجارة النفط وسيولة مرور السفن فى قناة السويس وتطوير محورها وليس بالضرورة أن يكون هذا الهدف غالباً عند كل أطراف النزاع ولكنه أكيد موجود بدرجات متفاوتة من الأولوية والأهمية عندهم جميعاً.
فإذا كانت حرب اليمن للسعودية هى مرحلة من مراحل المواجهة المباشرة إقليمياً التى تميز سياستها الخارجية الجديدة الأكثر تصادمية فى معالجة الملفات الإقليمية والدولية فهى تسعى منها أساساً ضرب خطر تراه شديداً فى شكل تمدد إيرانى عن طريق زيادة نفوذ وسيطرة الأقلية الحوثية فى اليمن خاصة وأن مناطق نفوذها الرئيسية متاخمة للحدود السعودية فى جيزان ونجران وقد واجهت السعودية مقاومة عسكرية شديدة نتيجة لطبيعة الأرض والتضاريس ولتحالف قوى يمنية مختلفة ضدها منها الكثيرون من حلفائها السابقين عندما كانت تنتهج سياسة خارجية أكثر توازناً تقوم على مبدأ كسب ود القبائل والأحزاب السياسية اليمنية بالهدايا والعطايا.
... وتبحث السعودية عملياً الآن عن مخرج يحفظ ماء الوجه للتراجع عن هذه الحرب التى من الصعب حسمها عسكرياً أو كسبها سياسياً أو إعلامياً بعد أن بدأ الملف الإنسانى يطغى على أخبارها العالمية ولا يمثل مضيق باب المندب أو البعد الملاحى الإستراتيجى له جزءاً كبيراً من الأهداف السعودية فى هذا الملف فى الوقت الراهن.
إلا أن الموضوع يختلف كثيراً عند الإمارات فسياستها وأهدافها فى اليمن أبعد وأوسع وأكثر طموحاً عن شريكها السعودى فهى ترى فى حرب اليمن فرصة سانحة لبسط سيطرتها الجزئية على مضيق باب المندب فى غياب دولة يمنية متماسكة تحمى سيادة أراضيها ومياهها الإقليمية وفى غياب تواجد مؤثر من القوى الدولية أو الإقليمية الأخرى لذلك ركزت الإمارات جهودها السياسية والعسكرية فى السيطرة على عدن وجنوب اليمن بتكوين أحزاب ومليشيات مساندة لها وحاولت بسط نفوذها على كافة المحاور والمواقع التى تعطى لها موطأ قدم على باب المندب فشرعت فى بناء قاعدة عسكرية على جزيرة بريم (ميون) التى تتوسطه تشمل مطاراً حربياً بمدرج طوله 3200 متر واستولت على بلدة ذو باب القريبة من المضيق وحولتها إلى قاعدة عسكرية أخرى، كما سيطرت على ميناء المخا المتاخم على الساحل اليمنى وأقامت فيه قاعدة عسكرية ثالثة وحاولت السيطرة على جزيرة سقطرى فى خليج عدن لإحكام قبضتها من كافة الاتجاهات على المضيق قبل أن تجبرها معارضة الحكومة اليمنية وأهل الجزيرة على التراجع مرحلياً.
ولم تقف الجهود الإماراتية عند هذا الحد فقد وقّعت اتفاقاً مع أريتيريا لإقامة قاعدة عسكرية فى ميناء عصب المواجه تقريباً للمضيق من الجانب الأفريقى (الغربى) له ولتطوير مطار عصب ببناء مدرج بطول 3500 متر يسمح باستقبال كافة أنواع الطائرات الحربية لإحكام قبضتها على المضيق من الجانبين، كما توصلت الإمارات إلى اتفاق فى فبراير 2017 مع حكومة جمهورية أرض الصومال المنشقة عن حكومة الصومال الفيدرالية الشرعية لإنشاء قاعدة عسكرية فى ميناء بربرة مع حق استخدام مطار المدينة لمدة 25 سنة حتى أدى تدخل السعودية بناء على طلب السلطات الفيدرالية الرسمية فى مقديشيو إلى إلغاء هذا الاتفاق الذى وصفته بانتهاك للقانون الدولى والسيادة.
ومن الواضح أن هذه الاستثمارات الكبيرة والمتعددة فى القواعد والتسهيلات العسكرية من جانب دولة الإمارات العربية المتحدة تمثل جزءاً من إستراتيجية محددة طويلة الأمد هدفها السيطرة أو الاشتراك فى ترتيبات السيطرة على الملاحة عبر مضيق باب المندب لتلعب دور الشرطى الملاحى فى هذا المضيق المحورى للعالم كله ولمصر ودول حوض البحر الأحمر خاصةً لتعزز بذلك من أهمية دورها إقليمياً ودولياً.
أما إيران فسياستها ثابتة ومستمرة فى استغلال النزاعات والصراعات الإقليمية لخلق أوراق ضغط للاستخدام فى مفاوضاتها مع الغرب وفى تدعيم مصالحها فى المنطقة، فكما أنشأت حزب الله لنصرة الشيعة فى لبنان ودعمت حماس السنية فى قطاع غزة كأوراق ضغط على إسرائيل وبالتالى على الولايات المتحدة الأمريكية فإنها وجدت من اليمن والحوثية وسيلة جديدة لتشتيت وإنهاك السعودية منافسها الرئيسى من القوى الإقليمية فى الخليج وفى خلق وسيلة ضغط إضافية على العالم الغربى بتهديد إمداداته النفطية عندما دفعت حلفائها الحوثيين لاستهداف وإصابة ناقلتى نفط سعوديتين فى 25 يوليو 2018 فى طريقهما للمرور من باب المندب وقد صرح الجنرال قاسم سليمانى قائد فيلق القدس فى الحرس الثورى الإيرانى بعد الحادث مباشرة دون مواربة وبلغة تهديدية صريحة «أنه ليس فقط مضيق هرمز الذى سيغلق وإنما البحر الأحمر ليس آمناً» فى رسالة واضحة للولايات المتحدة التى ستُفعّل حصارها الاقتصادى الكامل على صادرات إيران البترولية بعد أقل من شهر فى 4 نوفمبر 2018 القادم والذى يمثل عملية حياة أو موت للنظام الإيرانى المنهك اقتصادياً.
ناقوس الخطر يدق فى المضيق والسؤال يبقى: «ما هو الدور المصرى فى هذا الملف الحيوى لمصالحنا السياسة وطموحاتنا الاقتصادية؟».. للحديث بقية.
نقلا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع