وصف الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، فى البداية، اختفاء الصحفى السعودى جمال خاشقجى، فى 2 أكتوبر، على أنه أمر «مقلق للغاية»، وبعد مرور 3 أسابيع، أخبر البرلمان التركى بأن خاشقجى قد قُتل فى جريمة قتل مُتعمَدة ومتوحشة، وقد اعترفت المملكة العربية السعودية بأن خاشقجى قد قُتل فى قنصليتها فى إسطنبول، لكنها ألقت باللوم على «عملية مارقة».
وتعد عملية قتل خاشقجى على الأراضى التركية بمثابة دافع سياسى قد يوفر لأردوغان ذخيرة للاستخدام ضد المملكة، منافسه الرئيسى للقيادة السياسية للعالم الإسلامى، فبوجود مدينتى مكة المكرمة، والمدينة، تحت وصايتها، تحتضن عائلة آل سعود الحاكمة لقب خادم الحرمين الشريفين.
فبعد وقت قصير من اتهام السلطات التركية، للسعودية بارتكاب جريمة خاشقجى المزعومة، تحدث أردوغان فى اجتماع مع الزعماء الدينيين كجزء من محاولته لتعزيز شرعيته الدينية، ونقلت عنه وكالات تركية قوله إن تركيا «هى البلد الوحيد القادر على قيادة العالم الإسلامى».
ومنذ انتخابه رئيساً للوزراء فى عام 2002، وحتى رئاسته الحالية للبلاد، عمل أردوغان على تقليص الإطار العلمانى لتركيا، فقد أبعدت عملية الأسلمة تركيا بعيداً عن الغرب، ودفعت بها نحو الشرق الأوسط، فالرئيس التركى يركز على جعل الإسلام هو محور السياسة التركية، ويرى أن دور السياسة الخارجية للبلاد هو معاداة الغرب فى المقام الأول.
وفى حين أن العائلة المالكة فى السعودية هى خادم الحرمين الشريفين، فإن أردوغان يستمد قوته من عظمة ماضيه العثمانى، ويستثمر فى توسيع الموانئ العثمانية التى كانت بمثابة مراكز عبور لمكة والمدينة، فضلًا عن توسيعه لنشاطاته القيادية فى منظمة التعاون الإسلامى.
وبذلك، فإنه مسألة اصطدام الرئيس التركى بولى العهد السعودى، محمد بن سلمان، باتت أمرا لا مفر منه، فالأخير يرى أن الإسلام «دين بسيط، وعقلانى، ولكن يتم اختطافه من قبل البعض»، ويعتبر أن إصلاحاته الداخلية هى محاولة لمواجهة التطرف.
وقد ظهر بن سلمان للجماهير الغربية باعتباره زعيمًا ليبراليًا شابًا، فبينما يدفع أردوغان تركيا الإسلامية لقيادة العالم الإسلامى، فإن الأمير الشاب يفضل مغازلة الغرب، والفصل بين الشؤون الداخلية لبلاده، وتحالفاته الأمريكية، والبريطانية.
وقد قادت المملكة العربية السعودية عملية الحصار على قطر، والتى عارضتها تركيا، ولكن سبب معارضتها لم يكن يرجع فقط للاستثمارات المتبادلة بين البلدين، ولكن لأن كلا البلدين لديهما علاقات مع إيران، ويدعمان جماعة الإخوان المسلمين، التى تعتبرها السعودية تهديدًا للنظام الملكى التقليدى.
وانسحب المستثمرون، والرعاة، والإعلاميون، من مبادرة الاستثمار فى المستقبل فى السعودية، وقد اتبعهم صندوق النقد الدولى، وحتى الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، يتعرض لضغوط من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكى لمعاقبة السعودية على مصير خاشقجى.
ولكن أردوغان يتحرك بسرعة، فبينما ألغى السعوديون حفلهم الدبلوماسى السنوى فى واشنطن بمناسبة اليوم الوطنى للبلاد، استقبل أردوغان وزير الخارجية الأمريكى، مايك بومبيو، فى أنقرة، وقد أعطى الاجتماع لتركيا فرصة لدفع وجهات نظرها حول سوريا، ومطالبها بأن يتخلى حزب العمال الكردستانى عن منطقة منبج الضيقة فى سوريا، بالقرب من الحدود التركية، وهو طلب كانت الولايات المتحدة بطيئة فى الاعتراف به.
ويوفر إطلاق سراح القس الأمريكى، أندرو برونسون، من السجون التركية، وعودته إلى الأراضى الأمريكية، ووفاة خاشقجى، والضغوط التى يفرضها هذا الحادث على ترامب، نقطة انطلاق للرئيس التركى لاكتساب علاقة أوثق مع الولايات المتحدة، وذلك بالتزامن مع استخدام الحادث لمحو صورة تركيا باعتبارها تهديدًا أمنيًا.
ويستخدم أردوغان حادثة خاشقجى لاكتساب علاقات أوثق مع الولايات المتحدة، ولدفع مصالح تركيا، ففى يوم الاثنين، ذكرت الصحافة التركية أن أردوغان وترامب قد أجريا محادثة هاتفية، واتفقا على أن السعودية يجب أن تكون واضحة حول جميع تفاصيل وفاة خاشقجى.
إلا أن أحلام أردوغان، بقيادة العالم الإسلامى، قد لا تتحقق من خلال قضية خاشقجى، فالاستثمارات السعودية فى تركيا فى الوقت الذى لا تزال فيه الليرة التركية ضعيفة يجب أن تكون متوازنة مع طموحات أردوغان وتنافسه، وقد اتخذت منظمة التعاون الإسلامى، التى تتخذ من جدة مقراً لها، صف السعودية، رسميًا، فى أعقاب قضية خاشقجى، وأشادت باقتراح إجراء تحقيق تركى- سعودى مشترك، وأكدت أن الرياض «فوق الشبهات».
وقد أشار بعض المعلقين إلى أن إيران هى المستفيد الرئيسى من موت سعودى، فى المنفى، على الأراضى التركية، ولكن الرياض الآن ليست فى وضع يسمح لها بتصوير إيران على أنها تهديد للمنطقة، وطالما استغلت الأخيرة الحسابات السعودية الخاطئة للحصول على النفوذ، وحماية نفسها من العزلة الإقليمية، وبينما تتم محاصرة السعودية الآن بسبب قضية خاشقجى، وتشتيت العالم فيما حدث للأخير، فإن طهران باتت تستطيع مواصلة بناء برنامجها الصاروخى بهدوء، وإعادة صياغة الاتفاق النووى، وبيع نفطها قبل استئناف العقوبات الأمريكية، فى نوفمبر المقبل.
نقلا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع