بقلم - رفيق جريش
بعد أكثر من 60 يوماً من الحرب الوحشية، رغم فشلها حتى اللحظة فى تحقيق أبرز أهدافها المتمثلة فى القضاء على حماس وها هى الهدنة تنتهى لتبدأ جولات جديدة من الغارات الوحشية على المدنيين العُزل مع نسائهم وأطفالهم.
لاحظنا عن قرب أن الرأى العام فى العالم فى شرقه وغربه لم يعد قادراً على التماس المزيد من الأعذار لإسرائيل فى حرب الإبادة التى تمارسها بحق أهل غزة وأطفالها، لا سيما بعد اقتحام المستشفيات، قلب المنظومة الصحية بالقطاع. فبرغم التعاطف من قبل بعض الدول التى حازته إسرائيل فى الأيام الأولى التى أعقبت عملية «طوفان الأقصى» فى السابع من أكتوبر الماضى، تحولت الدفة الآن لموجة سخط واسعة ضد تل أبيب وحكومتها اليمينية المتطرفة بقيادة بنيامين نتنياهو مع أولى غاراتها على مستشفيات غزة، وتصاعد أعداد الأطفال، الذين تُزهق أرواحهم يومياً بدون سبب مفهوم.
حالة السخط عبر عنها آلاف من الناس الذين خرجوا إلى الشارع فى عواصم العالم المختلفة كواشنطن ولندن وتورنتو وبرلين وباريس وغيرها، حاملين الأعلام الفلسطينية، للتنديد بوحشية الاحتلال، وللمطالبة بوقف فورى لإطلاق النار فى غزة. وشملت المظاهرات فى كثير من الأحيان اليهود المناهضين للصهيونية ومنهم يهود أورثوذكس أى الأكثر تطرفاً دينياً لتنفى فرضية معادة السامية من الأساس، وتؤكد براءة اليهودية من جرائم إسرائيل.
كما امتدت الاحتجاجات لتشمل إغلاقا للميادين والجسور ومحطات السكك الحديدية، ولم يتم استثناء صُناع القرار من دائرة الغضب. فهاجم البعض حكامهم وهاجم البعض مقرات الحزب الديمقراطى الأمريكى، الذى ينتمى إليه الرئيس جو بايدن، واتهموه بأن على يديه دم الفلسطينيين وتكرر الأمر ذاته مع حزب العمال فى بريطانيا، بينما طوق آخرون البرلمان الألمانى هاتفين: «حرروا فلسطين من ذنب المحرقة». وظهرت الكوفية الفلسطينية والعلم الفلسطينى فى كل مكان.
وفى الوقت ذاته، اكتظت وسائل التواصل الاجتماعى، رغم الرقابة الصارمة المفروضة من كبرى شركات التكنولوجيا، بفيديوهات تسخر من أدلة إسرائيل حول وجود مركز قيادة حماس بمستشفى الشفاء، وتلوم الإعلام الغربى على كم التضليل الذى ظلت تبثه طيلة السنوات الماضية، مؤكدة أن إسرائيل تكذب طوال الوقت، ولا تثأر لنفسها سوى من مرضى وحدات الرعاية المركزة والأطفال الخدج. ولعل هذا ما دفع وسائل الإعلام الغربى، بما فيها الأكثر تأييداً لإسرائيل، لتعديل لهجتها وتوازنها مؤخراً بشكل نسبى.
الشقاق وصل إلى داخل إسرائيل أيضا، فالمواطنون يرون حكومتهم تبتعد تماماً عن الهدف الذى حددته لنفسها وتعهدت به منذ اليوم الأول للحرب خاصة الهجومات الوحشية بعد الهدنة على شمال ووسط وجنوب قطاع غزة، ألا وهو استعادة الرهائن، بل كان الحديث الدائر فى الأيام السابقة هو أن حكومة نتنياهو لا تضعهم فى حساباتها أساساً بدليل القصف العشوائى للقطاع الذى يعرض حياتهم للخطر.
ولذلك من المهم توظيف حالة الزخم الدولية الحالية والقناعة بأهمية تفعيل حل الدولتين، والتحرك بشكل فعال لاستئناف المفاوضات، وان يكون مستقبل غزة بعد الحرب فى إطار الحل السياسى الشامل الذى يفضى إلى إقامة الدولة الفلسطينية والاعتراف بها دوليا وتضم القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة لتعيش إلى جوار إسرائيل فى سلام، وبما يعزز بيئة التعاون وتحقيق الازدهار والتنمية للجميع.
ولاشك أن ما حدث فى السابع من أكتوبر وما بعده يؤكد ما حذرت منه مصر مراراً وتكراراً بأن القضية الفلسطينية هى مفتاح الأمن والاستقرار فى المنطقة، وأن غياب أفق للتسوية السياسية واستمرار العدوان على الفلسطينيين سيقود إلى الانفجار الذى يدفع ثمنه الجميع، ولذلك كانت الرؤية المصرية المبكرة فى تقديم خريطة طريق واضحة لحل هذا الصراع عبر حل الدولتين، ولذلك الكرة الآن فى ملعب المجتمع الدولى، خاصة أمريكا للتحرك بشكل جدِىِ وفعال لتحقيق السلام العادل ووقف دوامة العنف.