بقلم - رفيق جريش
منذ عام 1948، حملت مصر على أكتافها القضية الفلسطينية، التى أصبحت القضية الأولى للعرب، ورغم أن مصر أبرمت عام 1978 اتفاقية كامب ديفيد للسلام، فإن التطبيع مع الكيان الصهيونى ظل من طرف الشعب المصرى فى الثلاجة إلى يومنا هذا، فأعمال الكيان الصهيونى لم تشجع الشعب المصرى على التطبيع إلا فيما هو ضرورى، فقد اجتاحت إسرائيل لبنان، ثم ضربت المفاعل النووى العراقى، ثم دخلت فى معارك تارة مع حماس ودمرت غزة.
وبفضل التدخل المصرى كانت تعود الأجواء إلى الهدوء، وتارة أخرى مع حزب الله، ما أدى أيضًا إلى تدمير الجنوب اللبنانى، بل محطات الكهرباء الرئيسية فى بيروت، وأصلحها المهندسون المصريون، بجانب اعتقالها للفلسطينيين وإيداعهم السجون بمَن فيهم النساء والأطفال.
وحصار كنيسة المهد واستعمال أبشع الأساليب حين ذاك لولا تدخل الفاتيكان، فالشعب المصرى أدرك بالتجربة مع الكيان الصهيونى أنهم غير جادين فى السلام، كل ذلك أدى إلى نفور من أى نوع للتطبيع، والآن منذ اندلاع أحداث السابع من أكتوبر الماضى تستكمل مصر دعم الفلسطينيين، حيث تحركت مصر بكل دقة على ثلاثة مسارات متوازية.
أولًا: على المسار السياسى، شكلت مصر صمام أمان للقضية الفلسطينية، حيث رفضت مصر مخطط التهجير القسرى للفلسطينيين من قطاع غزة، ووضعت «لاءاتها» الحاسمة، وهى «لا» لتهجير الفلسطينيين، و«لا» لتوطينهم فى سيناء والأردن، و«لا» لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأمن القومى المصرى، ونجحت مصر فى حشد الرأى العام والدولى فى اتجاه رفض التهجير القسرى للفلسطينيين.
وارتباطًا بذلك، ودعمًا لحصول الشعب الفلسطينى على حقوقه المشروعة، نجحت مصر فى إعادة وضع القضية الفلسطينية مرة أخرى فى اهتمامات السياسة الدولية، وتأكيد أن هذا الانفجار والمواجهات الدموية تؤكد ضرورة حل هذا الصراع من جذوره من خلال السلام العادل والشامل، وهو إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية فى إطار حل الدولتين باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والاستقرار فى المنطقة وتحقيق مصالح جميع الأطراف.
وقد انعكس هذا فى تغير لغة الخطاب السياسى الدولى والحديث عن أهمية حل الدولتين واتفاق الجانب الأمريكى والأوروبى مع الموقف المصرى فى ذلك بجانب الدول العربية والإسلامية.
ثانيًا: على المسار الأمنى، سعت مصر إلى وقف إطلاق النار، والعمل على تبادل الأسرى والمسجونين، ومنع توسع الصراع فى المنطقة، حيث حذرت من أن الصراع والتهجير القسرى للفلسطينيين سيؤدى حتمًا إلى تطاير نار الحرب على دول الجوار، وستتوسع الدائرة، مما يهدد أمن الجميع.
ثالثًا: على المسار الإنسانى بالعمل على تخفيف المعاناة عن الشعب الفلسطينى الشقيق فى غزة، والذى يتعرض لكارثة إنسانية غير مسبوقة، فى ظل استمرار العدوان الإسرائيلى الهمجى واستهداف المستشفيات والمدارس والمدنيين وهدم البيوت على ساكنيها وممارسة الحصار الشامل وقطع المياه والكهرباء والدواء والغذاء، بما يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولى الإنسانى.
ورغم العقبات والتعنت الإسرائيلى، واصلت مصر جهودها فى إدخال المساعدات الإنسانية، من غذاء ودواء ومُعَدات طبية، إلى القطاع عبر معبر رفح، ونجحت فى إدخال الوقود وزيادة عدد الشاحنات يوميًّا، بما يخفف المعاناة عن الفلسطينيين وينقذ أرواح الآلاف.
كل ذلك تتحمله مصر وشعب مصر، رغم الأزمة الاقتصادية الطاحنة التى تشهدها البلاد، ولكن هذه هى مصر، صاحبة المبادئ والمواقف السامية، مهما كلفها ذلك.