بقلم - الأب رفيق جريش
وسط أزمة اقتصادية عالمية طاحنة بسبب وباء كورونا وتداعياته ومتحوراته وأيضا بسبب الحرب الروسية- الأوكرانية والنقص الحاد في القمح بالذات ومواد غذائية أخرى، وأيضا ارتفاع أسعار البترول والغاز في دول العالم أجمع، نجد المواطن المصرى يئن من ارتفاع الأسعار، ومع ذلك يتصرف مجتمعنا بكثير من عدم الوعى، وأعنى به ثقافة الهدر.
على سبيل المثال، لا الحصر، هناك أزمة سد النهضة، والدولة تحاول جاهدة تعويض ماء النيل الناقص علينا بمشروعات ضخمة لتحلية المياه وغيرها من المشروعات، ونحن مازلنا نهدر المياه على الأرصفة، كما في الأراضى الزراعية/ الصحراوية، والغسيل في المنازل وغسيل السيارات، وما إلى ذلك.
كذلك مع ارتفاع أسعار الدواء، خاصة التي تأتى من الخارج، نجد الهدر داخل بيوتنا، فكثيرا ما نفتح علب الدواء ونستخدم منه القليل، ويظل الدواء في الأدراج لسنوات ولا يستفيد منه أحد، أليس هذا هدرا؟
أيضا نولول من فاتورة الكهرباء وارتفاعها، إلا أننا مازلنا نهدر الكهرباء فنترك الأنوار في الشوارع، كما في المكاتب والمنازل طيلة النهار مضاءة حتى في عز الشمس الساطعة، ونترك التليفزيون مفتوحا طول النهار حتى بدون مشاهدين. حتى لو مصر تصدر الآن الكهرباء إلى دول الجوار، هذا ليس معناه أن علينا إهدارها.
نشتكى ليل نهار من ارتفاع أسعار الطعام ونقص بعض المواد الغذائية، مع ذلك نهدر الطعام هدرا فظيعا، ويكفى النظر في قمامة المنازل في المناطق البسيطة كما في الراقية، والمطاعم لتحلل ارتفاع أسعار أطباقها تُكبر شرائح الطعام بحيث الزبون لا يستطيع أن يكمله، فيكون مصيره القمامة، وهذا كثير من الهدر الذي يندرج تحت مسمى «حرام.. ولا يليق».
في وطن فيه كثير من الفقراء يحتاجون ولو شريحة صغيرة من تلك الشرائح التي تلقى في القمامة وأول شىء نجده في سلة القمامة أرغفة العيش العادى والفاخر وأيضا المدعوم.
لاحظوا أن شعوب الدول الغنية، خاصة الأوروبية، تميل إلى التقشف أو «الحرص»، فلا نجدهم يهدرون لا الماء ولا الكهرباء ولا الدواء ولا الطعام، لذا نجد في قائمة مطاعمهم سعر شرائح الطعام حسب المقاس المناسب الصغير والوسط والكبير، حتى لا يهدروا الطعام، ألاحظ الدهشة على وجوه الزائرين الأجانب من التصرفات الهدرية للمصريين.
يجب أن نعترف بأن شعبنا المصرى سخى ومضياف، لكن في نفس الوقت هذا السخاء يؤدى إلى الهدر، لذا علينا أن نراجع، وتراجع كل عائلة عاداتنا وتقاليدنا حتى تتناسب مع إمكانيات دولتنا، فلا يجوز لنا أن نستدين ثم نهدر ما استدناه بدلا من توجيه كل «قرش» في التنمية للنهوض ببلادنا والحرص على الوطن وكرامته، وأيضا إمكانيات عائلاتنا، فهذا ليس بخلا، بل حكمة وعدالة في التوزيع على الجميع.