بقلم - الأب رفيق جريش
هل أبومازن أخطأ عندما أعلن فى ألمانيا أن إسرائيل ارتكبت من سنة 1948 حتى الآن خمسين مجزرة - هولوكوست - فى حق الشعب الفلسطينى؟!.أتذكر أنى دُعيت لإلقاء محاضرة منذ عشر سنوات عن الوضع فى الشرق الأوسط ومستقبل مسيحيى الشرق فيها فى ألمانيا.. وفى معرض النص الذى أرسلته بالفرنسية لترجمته إلى اللغة الألمانية، ذكرت الفظائع التى يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلى فى حق الشعب الفلسطينى، والتى تشبه مجازر هتلر ضد الشعب اليهودى. وتساءلت وقتها: كيف أن الإسرائيليين وهم يهود وقد ذاقوا أهوال المجازر والبطش الهتلرى يمارسون ما عاشوه ضد الشعب الفلسطينى الأعزل.. أليس من الأحسن إيجاد وسائل سلامية والعمل معًا من أجل إقامة الدولتين؟!.
كان الحصار الإسرائيلى لكنيسة المهد «بيت لحم» مازال عالقًا فى الأذهان، إذ استخدمت السلطة الإسرائيلية كل الوسائل لإجبار المعتصمين داخل الكنيسة على الخروج، منها إصدار أصوات مزعجة طيلة اليوم من سماعات قوية حتى تمنعهم من النوم ويستسلموا، وقد شاهدنا ذلك على شاشات التليفزيون، وظل هذا الوضع قائمًا حتى تدخّل بابا روما وأرسل أحد الكرادلة الأكفاء للتباحث مع إسرائيل وتحقيق خروج آمن للمعتصمين فى الداخل. وكان من بينهم فلسطينيون وأجانب ورهبان مصريون. وأتذكر أن المسؤول الألمانى عن المؤتمر اتصل بى تليفونيًا راجيًا حذف هذه العبارات من المحاضرة، لأن الألمان «حساسون جدًا» تجاه ما يذكّرهم بهتلر خاصة المذابح.
فيبدو أن المستشار الألمانى من جهة يعيش حتى الآن فى حالة «الإنكار» ويرفض تشبيه أى مذابح بأنها هولوكوست، جاعلًا هذا التعبير تعبيرًا مكرسًا ومخصصًا لليهود فقط، وهذا ينافى التاريخ الذى شهد مذابح أخرى فى مناطق أخرى، منها على سبيل المثال: مذابح الشوام فى جبل لبنان من قبل العثمانيين فى الربع الأخير من القرن الـ19، ومذابح الأرمن التى شردت وأودت بحياة مليونا ونصف مليون أرمنى فى 1915 وما بعدها. فلا أحد فى البلاد العربية ينكر فظائع المذابح التى عاشها اليهود، ولكن هناك هولوكوستات أخرى لا يمكن إنكارها إنسانيًا أو أخلاقيًا، كذلك اليهود الإسرائيليون من جهة أخرى يعيشون حالة إنكار لما يفعلونه هم تجاه الشعب الفلسطينى على مدار 75 عامًا وأكثر.
وأعود للسؤال: كيف يقبلون أن يفعلوا فى الفلسطينيين ما فُعل فيهم وفى أجدادهم، رغم أن اليهودية كدين هى دين رحمة، ولكن الأيديولوجية الصهيونية هى التى تبرر كل الأفعال الرديئة من أجل إسرائيل.. وكثير من قادة الغرب يصمتون ولا يجرؤون على قول الحقيقة خوفًا من وسائل الضغط الصهيونية على حكومتهم ودولتهم.
مهما كانت الظروف، لا شىء سيمنعنا من الشهادة للجرائم التى تُرتكب فى حق شعبنا الفلسطينى المتألم، وجاء الوقت أن تكون له دولته جنبًا إلى جنب مع دولة إسرائيل.