بقلم - الأب رفيق جريش
ونحن نعد العدة للحوار الوطنى، وهو شىء نثنى عليه ونشجعه بقوة، يجب ألا ننسى أن مجتمعنا بجانب الإصلاح السياسى والاقتصادى وغيرهما يحتاج إلى إصلاح اجتماعى، ولا أكون مبالغًا إذا قلت: يحتاج إلى إصلاح اجتماعى طارئ.. فبعد الجرائم التى شهدناها والانتحارات بين الشباب والعنف السائد فى المجتمع، ولاسيما فى الأسرة، يجب أن نتوقف وقفة مراجعة جدية.
فأى حوار عن إصلاح سياسى واقتصادى لن يستقيم إلا إذا استرجعنا بوصلة الاتجاه الصحيح فى مجتمعنا، لذا أقترح وبقوة وبإلحاح أنه بجانب الحوار الوطنى يجب أن يكون هناك مؤتمر موازٍ يضم علماء النفس وعلماء الاجتماع ورجال دين متعلمين ومستنيرين وغيرهم ليشخصوا لنا أمراض المجتمع المصرى حاليًا، ويقترحوا حلولًا عملية وجريئة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وتوضع توصياته أمام المجتمع كله، لأن هذه الأمراض خاصة بالمجتمع، والكل- حكومةً وشعبًا- عليهم تحمل مسؤولية العلاج المقترح. ما معنى أن نتكلم فى الحوار الوطنى عن حرية التعبير وما إلى ذلك وشبابنا متروك فريسة للأفكار الغريبة أو الوافدة أو المدمرة؟!.
ما معنى أن نتكلم عن اقتصاديات الدولة ولا نعرف كيف نستثمر فى أطفالنا وشبابنا ونزرع فيهم القيم ليكونوا شبابًا متوازنًا وفعالًا فى مجتمعه؟!.
يجب ألا ننكر أن مجتمعنا المتدين بطبعه- هكذا نصفه- والمسالم والمؤدب يسبح فوق صفيح ساخن من الكراهية والعنف، خاصة ضد المرأة، وكذلك التعصب والتطرف، ليس فقط فى المناطق العشوائية، ولكن أيضًا فى الحضر، ولا ينقصه العنف والبذاءات والتحرش فى الشوارع.
لا أصور صورة سلبية غير حقيقية، ولكنها الحقيقة التى يجب أن نراها بملء عيوننا إذا أردنا إصلاحًا.. فكيف لمواطن بسيط أن يحيا فى أمان ويحافظ على أبنائه ويحوطهم برعايته وهو يعيش فى رعب دائم من أن يصيب ابنه أو ابنته أذى- أى أذى- فى حادثٍ عبثى أخرق لا معنى له ولا منطق على يد مهووس أو مجنون أو مختل أو متطرف أو أى نموذج آخر من النماذج المرعبة المنتشرة الآن والسائدة؟!.. كل هؤلاء- فى النهاية- هم نتاج الثقافة المتردية التى حاصرتنا من كل جانب، ثقافة تقوم على الانغلاق والرفض وشيطنة الآخر.. وهم أيضًا نتاج التعليم الردىء الذى يفسد الوعى ولا ينوّره، ويُسلّم أبناءنا وبناتنا لقمة سائغة لتيارات التدين الجاهل، ونتاج عمليات التزييف القاسية والشاملة التى مُورست ومازالت على كل المستويات.
إن نجاح أى نظام سياسى مرهون فى الأساس بوضع الإصبع على الأسباب الحقيقية والجوهرية للتصدعات والشروخ والأمراض المجتمعية التى تضاعفت واستفحلت فى السنوات القليلة الماضية، وتنذر بخطورة مضاعفة وتأثيرات مريعة فى المستقبل القريب. البداية دائمًا ولابد أن تكون تشخيصًا سليمًا وقراءة دقيقة ومحايدة.. البداية دائمًا تكون بالاعتراف بوجود الأزمة، لا إنكارها أو التغاضى عنها وإهمالها بالكلية.
أنادى بل أصرخ: ضعوا الأمراض الاجتماعية بين يدى المتخصصين حتى نصلحها، وهذا سيأخذ وقتًا طويلًا، ولكن علينا أن نبدأ من الآن جنبًا إلى جنب مع الحوار الوطنى.. فكلاهما يكملان بعضهما البعض، وهذا ما سيجعلنا نتقدم فى مسيرتنا الوطنية المتجددة.