بقلم - رفيق جريش
يحتفل العالم فى شرقه وغربه بعيد الميلاد المجيد وتدب الاحتفالات فى كل مكان عدا الأراضى المقدسة مثل أورشليم ــ القدس وبيت لحم حيث مولد السيد المسيح يسوع وغزة التى مرت منها العائلة المقدسة هربا من هيرودس الملك إلى مصر الذى قتل الأطفال من سن سنتين إلى ما دون.
عدد المسيحيين فى غزة قبل الحرب الإسرائيلية عليها يبلغ نحو 1200 شخص من أصل 2 مليون نسمة من الإخوة المسلمين. المسيجيون منهم لاتين وروم كاثوليك وروم أورثوذكس ولا نعرف كم سيتبقى منهم بعد أن تضع الحرب أوزارها فمنهم من نزح مع بقية الغزاوية ومنهم من قتل وجرح ولا يخفى على أحد أن فى الـ75 سنة الأخيرة كثيرين نزحوا وتشتتوا بسبب الاحتلال الإسرائيلى ومعاملتهم القاسية. لا يخفى أيضا أن مع الاحتلال الإسرائيلى والحروب المتتالية قد استنزف كثير من المسيحيين رغم انخراط العديد منهم فى حركات (غير إسلامية) مناهضة للاحتلال مثل منظمة التحرير الفلسطينية منهم حبيب خواجى، حنا ناصر، والمطران الانجليكانى إلياس خورى والمطران الشهير هيلاريون كابوش مطران القدس للروم الكاثوليك الذى سجن ونفى ومنهم من انخرطوا فى حركات ماركسية مثل جورج حبش فى الجبهة الشعبية ونايف حواتمة فى الجبهة الديمقراطية وغيرهم. هؤلاء لم يقدموا هويتهم كمسيحيين ولكن كفلسطينيين عروبيين، والدستور الفلسطينى 2003 يضمن حرية العبادة وحرية العقيدة وحماية الأماكن المقدسة لجميع الأديان والطوائف مع تحديد أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع.
الرئيس المرحوم ياسر عرفات قدم سياسة منظمة التحرير الفلسطينية للعالم على أن قضية فلسطين قضية فلسطينية بحتة وليست دينية بأى حال من الأحوال، وقد استقبله عام 1982 البابا القديس يوحنا بولس الثانى فى الوقت الذى لم يكن يستقبله أو يتواصل تواصلا مباشرا مع أى أحد من القادة الغربيين ونفس الحبر الرومانى عين بطريركيا فلسطينيا عربيا على بطريركية القدس وهو البطريرك ميشيل صباح والذى حمل القضية الفلسطينية على عاتقه. أما فى يناير 2006 مع الانتخابات الأولى الفلسطينية ظهر على قائمة فتح وحماس مرشحون مسيحيون خاصة فى مدن بيت لحم ــ بيت جالا ــ بيت ساحور ــ رام الله حيث الوجود المسيحى قوى لدرجة أن عمدة بيت لحم المسيحى فيكتور باطرسه كان له مستشارون مسلمون من حركة حماس ،ثم تم تعيين بطريرك عربى فلسطينى ثانٍ هو البطريرك فؤاد طوال (الذى خدم فى سفارة الفاتيكان فى مصر فى الثمانينات).
وفى 2006 أثناء أزمة الكاريكاتورالمسئ لنبى الإسلام محمد تعهد محمود الزهار وزير خارجية حماس فى ذلك الوقت ومن داخل الكنيسة فى غزة بحماية الأماكن المسيحية لأنها «تخص إخوة لنا» عندما استشعر أن ربما بعض المغتصبين قد يتعرضون للأماكن المسيحية. فى الأسبوع الماضى هاجم جيش الاحتلال الإسرائيلى رعية «العائلة المقدسة» فى غزة والضحايا كانت سيدة وابنتها وخمسة من الجرحى، علل الجيش هذا الهجوم أن داخل الكنيسة كانت هناك صواريخ تطلقها حماس وذلك مع وجود 700 نازح داخل حرم الكنيسة كما أطلقوا النار على مولد كهربائى خاص براهبات الأم تريزا اللاتى يواظبن ليل نهار على خدمة أكثر من 50 معاقا كما تم محاصرة مستشفى «القديس يوسف النجار» وإطلاق النار على الموجودين والطواقم الطبية. يرى المسيحيون الفلسطينيون والغزاويون أن حضورهم المسيحى مهم وعازمون على البقاء والحضور الفعال مع إخوانهم المسلمين، وهذا المقال ليس للتباهى لكنه سرد لحقائق تاريخية قد تكون مخفية فى خضم الحرب الإسرائيلية ــ الحماسية خاصة أن السلطات الإسرائيلية تعمل جاهدة على إخفاء الحقائق والكذب على الرأى العام الإسرائيلى والدولى. تاريخ مسيحيى فلسطين وغزة وغيرها هى صفحة من آلاف الصفحات التى برهن فيها المسيحيون العرب أنهم أبناء أوطانهم ومخلصون لها يدا فى اليد مع إخوانهم المسلمين، ولن يستطيع أى مستعمر أو محتل النيل منهم.