بقلم - رفيق جريش
بمناسبة مرور خمس سنوات على توقيع وثيقة «الأخوة الإنسانية» بين قداسة البابا فرنسيس والإمام الأكبر الشيخ الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر فى أبو ظبى فى 4 فبراير 2019 وكان لى شرف حضور هذا التوقيع بدعوة من علماء المسلمين والاشتراك فى مؤتمر لهذه المناسبة التاريخية. نستطيع أن نعتبر هذا النص وما فيها من مبادئ بوصلة لثقافة الحوار والتعاون المشترك واكتشاف الآخر، فهذه الوثيقة هى نداء لإنهاء الحروب كما تدين الإرهاب والعنف باسم الدين وهذا ما نقرأه فى مقدمة نص الوثيقة.
بهذه المناسبة قال البابا «لا مفر من أن نبنى معا المستقبل فالأديان لا يمكن أن تتنصل من دعوتها الأساسية ببناء جسور بين الشعوب والثقافات، وقد جاء الوقت لكى تعمل الأديان على العمل بحماسة وشجاعة لمساعدة العائلة الإنسانية فى النمو نحو المصالحة والرجاء فى سلام حقيقى». هذه الوثيقة كان لها صدى عالمى لأنها ولدت من «الإيمان بالله أب كل البشر» كما قال البابا، ويقول وزير خارجية الإمارات الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان «فقد فتحت آفاق لمراحل جديدة فى العلاقات بين الأديان». ومن نتائج هذا اللقاء الذى جمع بين الأمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب وقداسة البابا فرنسيس أهدت الإمارات المتحدة مركزا سمى «مركز الأديان الإبراهيمية» شيد فيها ثلاثة أدوار عبادة متساوية الحجم ومتقاربة فى المعمار وهى جامع وكنيسة وكنيس يهودى. ليتعبد فيها أتباع الأديان الإبراهيمية الثلاثة ومعهم متحف عن الوثيقة ومن وقعها وكان لى شرف زيارة هذا الموقع الفريد الأسبوع الماضى لنستعيد الذكريات الجميلة. ومن أجل تفعيل هذه الوثيقة شكلت يوم 20 أغسطس 2019 لجنة مكونة من أعضاء مسيحيين ومسلمين ويهود فى أبو ظبى ومنوط لها بلورة العمل بما جاء فى الوثيقة وتفعيلها على أرض الواقع محليا ودوليا وتنظيم لقاءات مع قادة الأديان والمؤسسات الدولية وشخصيات مؤثرة فى المجتمع لتفعيل هذه الوثيقة وقد اجتمعت اللجنة فى تاريخ رمزى وهو 11 سبتمبر 2019 فى الفاتيكان لتكون الأيادى ممدودة والقلوب مفتوحة وقد صلى الجميع من أجل ضحايا الإرهاب فى 11 سبتمبر 2001. فى ديسمبر 2020 التقت اللجنة برئاسة الكاردينال ميجال جويكسوت رئيس لجنة الحوار فى الفاتيكان والمستشار محمد عبدالسلام المستشار القانونى السابق للإمام بسكرتير الأمم المتحدة الذى وعد بمساندة الأمم المتحدة لتلك الوثيقة والعمل بالمبادئ التى جاءت فيها ونشرها. كما بدأت مؤسسات مختلفة فى العالم دراستها مثل لقاء شباب مسلمين ومسيحيين فى مدينة Taize فى فرنسا، كما اجتمع مجلس كنائس مصر مع الإمام الأكبر فى مشيخة الازهر للاستماع منه لشرح وافٍ عن هذه الوثيقة وكذلك فى مدريد نظمت طاولة مستديرة لدراسة هذه الوثيقة وغيرها من المبادرات تمت خاصة فى الجامعات المصرية. وبعد مرور سنة على الوثيقة انعقد فى أبو ظبى مؤتمر حول الوثيقة ومدى انتشارها وتطبيقها. وليس سرا الآن أن مسودة هذه الوثيقة كتبت بأيدٍ مصرية وهما الأب يوأنس لحظى السكرتير الشخصى السابق لقداسة البابا فرنسيس والمستشار محمد عبدالسلام المستشار القانونى السابق للإمام الأكبر. فمصر التى عرفت العيش المشترك تستطيع أن تشهد لخبرتها بيد اثنين من أبنائها واحد مسيحى والآخر مسلم فنشكرهم على ذلك. علينا فى مصر أن ننشر هذه الوثيقة «الإخوة الإنسانية» أكثر من ذلك خاصة وعلى أوسع نطاق خاصة فى المؤسسات التعليمية وأجهزة الإعلام المرئى والمقروء حتى يتطلع عليها أكبر عدد من شعب مصر الحبيب وحتى لا يكونوا فريسة للأفكار الشريرة والمسمومة. فالحوار بين اتباع الأديان يقوم على الاحترام المتبادل والصداقة المخلصة وتحتاج لثلاثة أشياء الأخوة والسلام والعيش المشترك.