بقلم - رفيق جريش
أصبح من الواضح للكافة أن مصر ليست دولة صغيرة، لكن بشعبها وحضارتها وقوة دولتها هى دولة كبيرة إقليميا ودوليا، وظهر ذلك جليا فى اجتماعات الأمم المتحدة هذا العام، وذلك لأن مصر تبين حاليا رؤيتها للعالم من خلال ثلاث دوائر.
فيما يخص الدائرة الأولى، التى تمثل هاجسا يؤرق العديد من دول العالم النامى، خاصة فى القارة الإفريقية وهى أزمة الديون وفى ظل ضغوط تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية وتداعيات جائحة كورونا، وبصفة خاصة آثارهما على أسعار الغذاء والطاقة لتفاقم التحديات المالية لتلك الدول وتثقل كاهلها بمزيد من الأعباء، وهو ما يتطلب منح الأولوية لإعادة هيكلة الديون كإجراء عادل لتخفيف الأعباء عن الدول النامية.
فضلًا عن استكشاف أدوات التمويل المبتكرة مثل مبادلة الديون لتعزيز الاستثمارات وتوفير السيولة لتعزيز المرونة والقدرة على الصمود، مع الأخذ فى الاعتبار أن فجوة تمويل أهداف التنمية المستدامة يتوقع أن ترتفع لتصل إلى 4.3 تريليون دولار سنويًا فى الفترة من 2020 إلى 2025، بزيادة 70% على مستويات ما قبل الجائحة، وليس غريبا أن 9 دول إفريقية شاهدت انقلابات عسكرية واضطرابات.
أما بالنسبة للدائرة الثانية المتمثلة فى إرساء ما يسمى العدالة المناخية، فقد تم التوصل فى فعاليات قمة كوب 27 بشرم الشيخ العام الماضى إلى اتفاق تاريخى لإنشاء ترتيبات تمويلية جديدة، بما فى ذلك صندوق للاستجابة للخسائر والأضرار المناخية للدول النامية، وهو ما أكد الالتزام الجماعى بضمان العدالة المناخية والاستجابة لنداءات الدول والمجتمعات التى تواجه تداعيات التغير المناخى.
لاسيما فى ظل وجود فجوات واضحة فى النظام متعدد الأطراف الحالى تتطلب إنشاء آليات سريعة وفعّالة للتعامل معها، لاسيما أن الدورة الجديدة للجمعية العامة تنعقد تحت عنوان «إعادة بناء الثقة وإحياء التضامن العالمى» بهدف تعزيز العمل المشترك نحو تحقيق أجندة ٢٠٣٠.
الدائرة الثالثة المهمة جدا، إذ تنطلق الرؤية المصرية من أن أفضل سبيل للوقاية من النزاعات وبناء السلام فى العديد من مناطق الاشتعال فى أقاليم جغرافية مختلفة هو التنفيذ الأمين لأجندة التنمية المستدامة، بناء السلام عبر توفير الحد الأدنى المطلوب لبناء القدرة على الصمود فى الدول المضيفة لعمليات حفظ السلام، وبما يكفل الأمن والاستقرار فى مواجهة التحديات المتشعبة التى تواجهها دول العالم بلا استثناء.
العالم اليوم يشهد مخاضا سيلد عالما بعدة أقطاب إقليمية ليس قطبا واحدا أو قطبين، ومصر لها دور إقليمى ودولى بفعل جغرافيتها وتاريخها الحضارى الطويل والآن تأخذ مكانتها التى تستحقها.