مصر رغم أنها للأسف محاصرة بحروب من كل الجهات، فها هى القذائف تُمطر على رؤوس أهل غزة فى البوابة الشرقية لمصر وتناحر الأخوة الأشقاء فى ليبيا فى غربنا والحرب بين جيشين فى السودان فى الجنوب، كذلك أزمة الاقتصاد العالمى عموما غير المستقر من جراء الحرب فى أوكرانيا، وأسباب أخرى كثيرة إلا أن مصر ماضية، وبتصميم وعزم، على استكمال البناء والتنمية، وهذا ما أكده السيد الرئيس وما تنفذه الحكومة المصرية رغم المعوقات.
من حيث إن البناء والتنمية يحتاجان إلى استقرار حتى يأتيان بثمارهما، إلا أن مصر تعمل وفق مسارات متوازية بحيث لا يتأثر البناء والتنمية بالتقلبات الخارجية المحيطة بنا.
إن نهج المسارات المتوازية هو النهج نفسه الذى تتبعه الدولة الآن فى النهوض الاقتصادى، وبالأخص فيما يتعلق بتشجيع وجذب الاستثمارات، فبينما تساعد المستثمر على تجاوز العراقيل والعوائق فى الأمور الإدارية التى تستغرق الوقت والجهد وتعوق الاستثمار، فقد قامت الدولة بتخفيض التكلفة المالية للمشروعات وتوفير جميع المرافق لكى يتفرغ المستثمر ويركز جهده فى البدء بشكل أسرع فى مشروعه دون أى عوائق قد تطيل مدة الإنشاء قبل أن يدخل المشروع حيز التنفيذ.
هذا ما حرص الرئيس السيسى على التنبيه عليه فى الملتقى والمعرض الدولى للصناعة. وكدليل على ذلك، أشار الرئيس إلى تنفيذ الدولة أعمال البنية التحتية فى سبعة عشر تجمعا صناعيا يجرى تسليمها شاملة كافة الموافقات اللازمة لكى يحضر المستثمر الآلات ويبدأ العمل فى مشروعه مباشرة. ويؤكد كل ذلك اتساق المنهج الذى تنتهجه الدولة فى مختلف القضايا، فى ظل وحدة الهدف الساعى إلى النهوض بمصر، واختصار الزمن والوقت لأجل بناء الجمهورية الجديدة، الفريدة والمتميزة التى تقاوم معاول الإحباط واليأس، وتنشر الأمل والخير والتعمير والرخاء فى كل مكان على الخريطة المصرية بلا استثناء.
إذًا الحكومة تعمل بكل جهدها، وعلى الشعب أن يبذل كل جهده وطاقته يدا بيد مع الدولة، فالعمل قيمة إنسانية ووطنية عُليا، وكما نقول دائما من لا يملك قوته لا يملك حريته أى يفقد أيضا حرية قراره، ونحن نريد أن يكون القرار المصرى حُرا، حتى تكون ثمار البناء والتنمية لصالح الشعب، ونكون فى مقدمة الدول
إقليميا ودوليا.
من يتابع الموقف المصرى تجاه القضية الفلسطينية، ومسيرة الصراع العربى- الإسرائيلى، الذى يمتد اليوم لأكثر من خمسة وسبعين عامًا منذ عام 1948م.. يدرك جيدًا أن هناك بعض الثوابت السياسية والرؤى الواضحة التى لا تحيد عنها الدولة المصرية.. وهو موقف ثابت، واضح، ومشرّف على المستوى الوطنى والعربى.
وأشير هنا إلى بعض الأفكار الرئيسة والمنطلقات الأساسية التى تميز وجهة النظر المصرية:
أولًا: تحتل فلسطين مكانة خاصة ومتميزة عند المصريين، ليس لأنها تقع عند البوابة الشرقية لمصر فحسب، ولكن أيضًا لأنها دولة عربية شقيقة، تربطنا بها علاقات تاريخية وقواسم مشتركة، سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، كما تحمل مدينة القدس- قلب فلسطين وقلب العروبة النابض- مكانة دينية كبيرة للمسيحيين والمسلمين على السواء، ففى البلدة القديمة توجد كنيسة القيامة وقبر السيد المسيح وكنيسة مريم المجدلية ودير السلطان، وهو دير قبطى مصرى يسيطر عليه رهبان إثيوبيون بمساندة قوات الاحتلال الإسرائيلى، بالإضافة إلى المسجد الأقصى وقبة الصخرة وعدد من الجوامع الأثرية والأضرحة والزوايا، وإن كنا لا ننكر وجود عدد من المقدسات اليهودية.
ثانيًا: تساند مصر حق الفلسطينيين فى استرداد أراضيهم المسلوبة والمحتلة منذ عشرات السنين، وقد عانت مصر نفسها من محاولات إسرائيل اغتصاب جانب من أراضيها تمثَّلَ فى سيناء، مع وقوع العدوان الثلاثى على مصر عام 1956م، ومن بعده العدوان الذى وقع فى 5 يونيو 1967م، لكن الجيش المصرى بمساندة كل المواطنين المصريين واتحاد الصف العربى تمكن من تحرير سيناء واسترداد الأرض من خلال حرب الاستنزاف (1967-1970م)، ثم الانتصار العظيم فى حرب السادس من أكتوبر عام 1973م، ثم استعادت مصر باقى الأرض من خلال المفاوضات والجهود الدبلوماسية والإجراءات القانونية.
ثالثًا: قضية فلسطين ليست قضية دينية بين اليهود والمسلمين، مثلما يزعم البعض!!، بل هى قضية عربية، وقضية أرض محتلة، على الرغم من إشكالية البعد الدينى لمدينة القدس وكتابات الكتب المقدسة، فعلى أرض فلسطين يعيش المسلمون والمسيحيون، ومع القضية الفلسطينية يتعاطف كثيرون حول العالم، من مسيحيين ومسلمين وغيرهم، ممن يرفضون جريمة الإبادة التى تمارسها القوات الإسرائيلية.
رابعًا: ترفض الدولة المصرية- وبشكل قاطع- الفكرة الخاصة بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى شبه جزيرة سيناء، فالتهجير يؤذى المسألة الفلسطينية، ويؤدى إلى تصفية القضية، ويتيح الفرصة للكيان الإسرائيلى لأن يتمدد ويتوغل ويحقق أغراضه الاستعمارية، ومن ذلك التوسع فى بناء المستوطنات على حساب الأرض الفلسطينية.
خامسًا: لن تحارب مصر بالوكالة عن أى دولة أخرى، خاصة أن قرار الحرب ليس بالأمر السهل أو الهيّن، وفى الوقت ذاته لا تتخلى مصر عن دورها العربى والإنسانى، فهى تضغط من خلال المفاوضات ودعوة الأمم المتحدة وهيئات المجتمع الدولى لمساندة الحق الفلسطينى، وهى لا تتأخر عن فتح معبر رفح لتمرير المساعدات والمعونات الغذائية والطبية وغيرها من احتياجات معيشية وضرورية.
سادسًا: دور مهم ورئيس يقع على عاتق الإعلام المصرى والعربى، عبر مختلف وسائله وقنواته من الصحف والمحطات الإذاعية والقنوات التليفزيونية، بالإضافة إلى شبكات التواصل الاجتماعى، سواء باللغة العربية لشرح القضية الفلسطينية للأجيال الجديدة، أو تلك الناطقة بلغات أجنبية لمخاطبة منظمات المجتمع الدولى ومؤسساته للتعريف بحقيقة الممارسات الإسرائيلية فى أرض فلسطين المحتلة، بالإضافة إلى مخاطبة الضمير العالمى وشعوب الدول الأخرى، ليعرف الجميع حقيقة الكيان الصهيونى وممارساته الإرهابية والإجرامية من خلال الصورة والفيديو، وتوفير الحقائق التاريخية المُدعمة بالوثائق والخرائط وشهادات المؤرخين وكتابات الرحالة.. وغيرها.
على هذا النحو، فقد بدت القضية الفلسطينية أمام المصريين باعتبارها قضية الرأى الواحد التى لا تقبل التراجع عن الحق، ولا تقبل الاستسلام للظلم، قضية عادلة تساندها مصر، قيادة وشعبًا. وهنا تحية واجبة للقيادة السياسية المصرية فى مواقفها الثابتة والواضحة تجاه الأشقاء الفلسطينيين والقضية الفلسطينية التى هى قضية كل عربى.. وتحية واجبة لمنظمات المجتمع المدنى والمؤسسات الدينية، الإسلامية والمسيحية، ورجال الأعمال والصحفيين والإعلاميين والفنانين والرياضيين والأطباء وغيرهم من فئات المجتمع المصرى، ممن يمتلكون الوعى ويساندون الأشقاء فى فلسطين، بالكلمة الطيبة وتقديم الدعم المعنوى والمادى.