توقيت القاهرة المحلي 22:43:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إيران والتفاؤل... والفرضيات المضلّلة

  مصر اليوم -

إيران والتفاؤل والفرضيات المضلّلة

بقلم - إياد أبو شقرا

التفاؤل حق طبيعي لأي إنسان. ولا بأس في الظروف السياسية الحرجة من جرعات تفاؤل تُضخّ أحياناً... كي تخفّف من الإحباط هنا، و«جَلد الذات» هناك!

لا مشكلة أبدا مع التفاؤل، حتى حيث لا توجد مبّررات قوية له، لكن ثمة مشكلة عويصة عندما يتحوّل التفاؤل إلى أوهام تُبنى عليها فرضيّات كاذبة ومكلفة استراتيجياً...

في لبنان، كما في بضع دول عربية تعيش مثله «الحالة اللبنانية»، ما عاد من الحكمة التعامل مع الأزمات بـ«القطعة»، أي بمعزل عن المؤثرات الإقليمية، ومن ثم، موازين القوى والاعتبارات الدولية الكبرى... الوازنة في حسابات اللاعبين الإقليميين.

إذ لا يزال مستمراً إلهاء الناس بمهزلة «انتخاب» رئيس جمهورية، والتفنّن في المناورة وطرح أسماء «مرشحين» لغايات تضليلية، أو تمهيداً لإحراقها وإخراجها من التداول.

ولكن إذا كانت لدى اللبنانيين أعذار تخفيفية في بناء الأوهام ومُراكمتها - وسط عبثية تعاملهم المزمن مع معاناتهم المعيشية -، فلا توجد أي أعذارٌ للقوى العليمة ببواطن الأمور عندما تضطلع بمساعٍ حميدة لإنهاء الجمود وإيجاد الحلول.

حتماً، تدرك هذه القوى طبيعة المشكلة التي وافقت على المشاركة في معالجتها، غير أنْ ليس كلها يتصرف بصراحة وصدق ونية مخلصة عندما يطرح «مبادراته»، ويطلق «تصورات» من فوق تتجاهل الواقع «على الأرض».

ولنتكلم هنا بصراحة.

إن الدوران في حلقة مُفرغة على وقع المبادرات الأممية والإقليمية، كما اكتشفنا منذ بضع سنوات، لا يقتصر على لبنان.

المنطقة برمتها تجد نفسها في قلب الحلقة المفرغة هذه، بينما تتبدّل أولويات القوى العالمية الثلاث روسيا والصين والولايات المتحدة، وفيما بينها، مع مرور كل يوم وكل تطور جيواستراتيجي، من أوكرانيا إلى مضايق تايوان... ومن احتكاكات مضيق هرمز البحرية إلى مغازلة الهند على أعلى المستويات في الغرب.

ومن المشهد العالمي، إلى الكيانات العربية التي تعيش «الحالة اللبنانية»؛ حيث إذا اختلفت التفاصيل يظل الجوهر نفسه تقريباً.

نحن حقاً بصدد لاعب إقليمي مؤثر جداً اسمه إيران، يتلاعب بمقدرات المنطقة ويضبط إيقاع أتباعه في كياناتها، بلا حسيب أو رقيب. ولقد ألغى نظام طهران في كيانات «الحالة اللبنانية»، عملياً، مفاهيم السيادة والمواطنة والاستقلال ومؤسسات الدول وروح الدستور وحكم القانون.

«الدولة» في هذه الكيانات صارت، بحكم الأمر الواقع، نسخة «طبق الأصل» من النموذج الأصلي الإيراني؛ حيث مكانة الرئيس والحكومة دون شرعية سلطة «الولي الفقيه»، ودور «البرلمان» أقل فاعلية من نفوذ مرجعيات «الملالي» ومجالسهم، وحيث القوة العسكرية الضاربة من نصيب ميليشيا «الحرس الثوري» في بنية عسكرية... الشريك الأصغر فيها القوات المسلحة الرسمية!

هذا، بالضبط تقريباً، ما نراه اليوم في لبنان والعراق واليمن، وإلى حد ما في سوريا أيضاً. ولمزيد من التوضيح، وفق النموذج الإيراني، فإن «الدولة» كما هي معروفة ومتعارف عليها في الدول السويّة، أضحت مجرد «واجهة للعلاقات العامة»... وضابط ارتباط مع حكومات العالم غير الخاضعة للحكم الميليشياوي.

من جهة أخرى، لفترة ما سمعنا كثيرا عن أن نظام طهران في «مأزق»، وأن المواطن الإيراني يئن ويتعذب.

سمعنا، وبعضنا صدّق وجود «المأزق».

بل إن ثمّة مرجعيات غربية تدّعي المعرفة والخبرة شجّعت على الترويج لهذا الوهم، بينما كانت تتفاوض مع نظام طهران فوق الطاولة وتحتها للإفراج عن أرصدته، أو تسعى لعقد صفقات مالية ونفطية واستثمارية معه، متجاهلة تماماً مشروعاته الديموغرافية و«احتلالاته» الفعلية.

ثم إن هذه المرجعيات تعي تماماً أنه حتى إذا كان المواطن الإيراني، بالفعل، يئن ويتعذب، فما يعيشه لا يدخل مطلقاً في اعتبارات مشروع حاكميه و«حرسه الثوري» وحساباتهم المتسترة بزي الدين والمذهب.

وهذه الحقيقة ما غابت يوماً عن بال الشارع الإيراني منذ قمع «الانتفاضة الخضراء» عامي 2009 و2010، عندما كان المواطنون يهتفون ضد تدخل «حرسهم الثوري» في كيانات المنطقة وإنفاق نظام «وليهم الفقيه» مليارات الدولارات على الحروب وميليشيات القتل والهيمنة... بينما تعاني عائلاتهم من الفقر والحرمان وكتم الأنفاس ومصادرة الحريات والحقوق. وبالتالي، فإن المشروع الذي بوشر بتطبيقه منذ 1979 لن يتوقف في المستقبل المنظور بوجود النظام الحالي.

لقد استثمر «الملالي» كثيرا منذ 1979. وعليه، فسيكون من العبث - بل الغباء - تخيّل إمكانية «تغييرهم» سلوكهم بـ«سياسة عصا وجزرة» أثبتت فشلها عشرات المرات، من مسلسل المفاوضات النووية إلى «رعاية» الإرهاب المذهبي... ووصولاً إلى «حرب الكبتاغون»!

لذا، حلول الأزمات الإقليمية، بما فيها أزمة الحكم في لبنان، لا بد أن تنطلق من تصوّر لواقع إقليمي جديد تخرج فيه المنطقة من تحت عباءة الاحتلالات، بما فيها الاحتلال الإيراني. أما المضي قدماً في التجاهل والتذاكي والتمويه، فلن ينتج سوى مفاقمة لنتائج الصراع العربي - الإسرائيلي وتعميم المأساة الفلسطينية وتداعياتها في معظم المنطقة.

إن الأيام والأسابيع القليلة المقبلة قد تحمل لمنطقتنا مزيداً من التعقيدات إذا واصلت القيادات الإقليمية والعالمية سياسات الهروب إلى الأمام في عالم أقل طمأنينة، وأضعف ثقة، وأخطر شعبوية، وأقل تسامحاً، وأعجز عن التفاهم على قواسم مشتركة وسياسات عاقلة.

ويكفي النظر إلى الأجواء التي خلقتها الحرب الأوكرانية، التي أسقطت ما كان «شبه مسلّمات» في حسابات الردع الدولية.

ما حدث في أوكرانيا، كما يؤشّر سير الأحداث، قد يتكرر في أماكن أخرى من العالم، وأيضاً مع قوى تجد صعوبة في التفاهم... وصعوبة أكبر في التعلم!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران والتفاؤل والفرضيات المضلّلة إيران والتفاؤل والفرضيات المضلّلة



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 15:58 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي
  مصر اليوم - نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon