توقيت القاهرة المحلي 20:16:08 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رغم كل ما يجري... ثمّة مَن يصدّق «ديمقراطية» طهران

  مصر اليوم -

رغم كل ما يجري ثمّة مَن يصدّق «ديمقراطية» طهران

إياد أبو شقرا
بقلم - إياد أبو شقرا

تقول الحكمة العربية الشهيرة «فاقد الشيء لا يعطيه»، وهي تنطبق بالتأكيد على عالم السياسة، وعلى ما تدفع بعض الأقطار العربية ثمنه باهظاً هذه الأيام.

الأزمتان السياسيتان المتطاولتان في كل من العراق ولبنان، اللذين يحوز نظاماهما الحاليان رضى القوى الدولية النافذة بحجة أنهما «ديمقراطيان»، أوضح مثال على صدق هذه المقولة. بل يظهر أنه على الرغم من معاناة العراقيين واللبنانيين، وأزماتهم المتلاحقة، تشجّع هذه القوى الدولية تعميم تجربتي العراق ولبنان في سياساتها الإقليمية تجاه المنطقة العربية... كما لو كانا نموذجاً صارخاً للنجاح والتآلف الوطني والتنمية الحقيقية والحكم الرشيد الكفء والمتكافئ!

القوى الدولية النافذة عينها تمارس دوراً مزدوجاً في ما يلي:

-أولاً، التستّر على ثغرات تجربتي «الديمقراطيتين» العراقية واللبنانية في بغداد وبيروت… تحت هيمنة سلاح ميليشيات إيران الطائفية.

- التحمّس لإنجاز صفقة مع النظام الإيراني الذي تهيمن ميليشياته و«ثقافته» الطائفية على العراق ولبنان، بجانب إيران نفسها، وتمارس دوراً إلغائياً لجوهر الديمقراطية... تحت واجهة الديمقراطية. وهذه الكذبة، للأسف، يتحمّس لتصديقها الرئيسان الأميركي جو بايدن والفرنسي إيمانويل ماكرون، وقبلهما روبرت مالي «مهندس» سياسة إعادة تأهيل إيران والتحالف معها.

«فاقد الشيء لا يعطيه» واقع ينطبق كلياً على نظام طهران الذي اجترح أعجوبة إفراغ الديمقراطية التمثيلية من معناها، عندما جعلها مجرّد واجهة تستخدم في إدارة «العلاقات العامة» مع دول العالم.

هنا، كان لا بد من واجهة تتجسّد بمسرحية «نظام جمهوري» له «رئيس منتخب»، ويحوز ثقة «برلمان منتخب»، بجانب «سلطة قضائية»... إلا أن الكلمة العليا في كل شيء تعود إلى مرشد أعلى، هو الولي الفقيه الذي يشكل رأس نظام لاهوتي كلمته لا تُردّ ولا تقبل التشكيك.

تجربة مؤسسات الحكم «الديكورية» المبتكَرة لزوم العلاقات العامة، والمحمية بسلاح ميليشياوي مافيوي مقدّس، فضحت حقيقتها عند أكثر من مفصل سياسي في تاريخ إيران الحديث إبان حقبة ما بعد الشاه، لعل آخرها «الثورة الخضراء» عام 2009.

وكما هو معروف، مرّت مسيرة «الجمهورية الإسلامية» - كما يحب نظام طهران تسمية تجربته - بسنوات من التخبط والاغتيالات والإعدامات بعد جولات تخوين. والذين هُم على اطلاع على الوضع الإيراني يتذكّرون أنه لسنوات غير قليلة درجت «الثورة على أكل أبنائها»، تصفيةً وإبعاداً واحتجازاً ونفياً، بينما كانت تتحوّل شيئاً فشيئاً من تحالف وطني عريض، في مستهل «الثورة» عام 1979، إلى البنية المركزية «الثيوقراطية - الميليشياوية – المافيوية» التي هي عليها اليوم.

أولئك الذين عاشوا بدايات الثورة، أو درسوها بإمعان، يتذكّرون أدوار مهدي بازركان وأبو الحسن بني صدر وصادق قطب زاده... وكذلك آية الله محمد كاظم شريعتمداري وآية الله حسين منتظري، وطبعاً في بالهم مير حسين موسوي ومهدي كرّوبي ثم محمود أحمدي نجاد...

هؤلاء لم يتقاعدوا - أو يُبعدوا - في سياق تداول سلطة حقيقي، بل أطاحتهم صراعات إقصاء وإلغاء، وإعادة بناء لهرم سلطة تطوّرت أولوياته، وتزايدت أو انفضحت راديكاليته وميوله العدوانية التوسعية.

لفترة ما، ربما تفاوتت الآراء في طهران حيال مضمون «تصدير الثورة» وآلياته. ولكن بعد إقصاء مَن أُقصي وإلغاء مَن أُلغي... أنهت أحداث المنطقة، بدءاً من عام 2003، ثم 2005، ولاحقاً منذ 2011، أي شك…سواءً في المضمون أو في الآليات. فـ«الثورة» الخمينية - الخامنئية تُصدّر حصراً بالسلاح والدم، والهيمنة، والإجهاز على الدول بالفتن فيها، وتدمير مؤسساتها وإلحاقها، على الطريقة الإيرانية، بمرجعية المرشد وحرسه الثوري.

صحيحٌ، في العراق ولبنان «المحتلين» واقعياً هناك انتخابات... إلا أنها، على غرار انتخابات إيران، تنظّم في ظل «سلاح» يقرّر ويحسم ويشرّع ويخوّن وينصّب أدوات ذات تلاوين وأسماء مختلفة، ولكن، في نهاية المطاف مصدر القرار واحد... وهو لا يقبل النقض أو الإبرام.

في العراق، ظهر منذ ظهور نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2021 مصطلح طريف هو «الانسداد السياسي». ونتج هذا «الانسداد» المرتقب عن التطورات التي شهدها العراق، منذ أعاد حاكم «حقبة الاحتلال» الأميركي بول بريمر بناءه على قاعدة جديدة.

هذه القاعدة «الاحتلالية» لم تستعِض عن عيوب حقبة الانقلابات والشعبوية بنظام سليم يسمو على التفرقة، ويضعف العشائرية والطائفية والعرقية لمصلحة نظام مؤسسات، بل فعلت ما هو أسوأ. إذ حوّلت المواطن إلى جزء من مكوّن فئوي، وفرّقت بين العراقيين على أساس الغالب والمغلوب، وعمّقت انقساماتهم الطائفية والدينية والعرقية، وساوت – عملياً – بين سلاح الدولة الوطنية وسلاح الميليشيا المحرّكة من الخارج والتابعة له، ورهنت مناصب الدولة بالمحاصصة والزبائنية والتبعية، وجعلت من التنظيمات الحزبية والممارسة الانتخابية دمى متحركة... أو مسرح عرائس تسود فيه التفاهمات المرحلية والمصلحية العابرة، وينعدم التخطيط الاستراتيجي الرؤيوي.

هذا في العراق، أما في لبنان فالوضع أسوأ وأدهى. وها هو البلد يعيش حالياً كابوساً سياسياً واقتصادياً مع العد التنازلي لانتخابات يليق فيها أي وصف إلا وصف الانتخابات.

بالأمس أعلنت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان تراجعها عن حكمها السابق بتبرئة اثنين من المتهمين باغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري ورفاقه، هما حسين عنيسي وحسن مرعي، وإصدار حكم بإدانتهما إلى جانب المتهم المدان سابقاً سليم عيّاش. ومن الطبيعي، عند كثيرين، أن يسهم حكم الإدانة هذا في تأكيد ضلوع «حزب الله»، كحزب وقيادة في تصفية الحريري... لكون المسألة ما عادت «سلوكاً فردياً» أو تصرفاً غير مسؤول، ولا سيما مع مواصلة الحزب رفض الاعتراف بالمحكمة وقراراتها.

أكثر من هذا، بدلاً من تجنّب «حزب الله» - الذي ما عاد يخفي ارتباطه المرجعي الكامل بالسلطة في طهران - السعي إلى «إلغاء» كل من يتحدى هيمنته على الساحة اللبنانية، فإنه أكد إصراره على المضي قدماً في نهج الإلغاء. وهو عبر «قانون الانتخابات» المعيب الذي فرضه فرضاً بقوة سلاحه عاكف الآن على تركيب القوائم الانتخابية، ململماً شراذم أتباعه الهامشيين من الطوائف الأخرى، بينما يغلق مناطق بيئته الطائفية بوجه أي منافسة ذات معنى.

هذان «الاحتلالان»، المقبولان دولياً للعراق ولبنان، مرشحان اليوم لـ«مكافأة» قد تأتي إلى راعيتهما إيران من فيينا... مع انشغال واشنطن وباريس بالبحث عن بدائل نفطية وغازيّة بعد مهاجمة أوكرانيا!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رغم كل ما يجري ثمّة مَن يصدّق «ديمقراطية» طهران رغم كل ما يجري ثمّة مَن يصدّق «ديمقراطية» طهران



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 19:55 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025
  مصر اليوم - أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 23:00 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قواعد الإتيكيت الخاصة بشراء الملابس

GMT 12:07 2018 الجمعة ,05 تشرين الأول / أكتوبر

الجبلاية تستقر على خصم 6 نقاط من الزمالك

GMT 17:18 2021 الخميس ,26 آب / أغسطس

أشهر مميزات وعيوب مواليد برج العذراء

GMT 23:49 2020 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

ملخص وأهداف مباراة الزمالك والمقاولون العرب في الدوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon