توقيت القاهرة المحلي 23:11:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عالمنا والديمقراطية... أي ديمقراطية؟!

  مصر اليوم -

عالمنا والديمقراطية أي ديمقراطية

بقلم - إياد أبو شقرا

من أبلغ المقولات السياسية المعاصرة، التي حفظتها، كلمات الزعيم البريطاني الراحل ونستون تشرشل عن الديمقراطية، إذ قال: «أبلغ حجة ضد الديمقراطية محاورة لمدة لا تزيد عن 5 دقائق مع ناخبٍ عاديّ».

إذا كان أحد كبار قادة ما يوصَف بـ«العالم الحُر» والديمقراطيات الغربية لديه مثل هذه النظرة إلى المبدأ السياسي الذي سعت الديمقراطيات لترويجه - بل فرضه - عبر العالم، أليست ثمة أعذار للبعض منا في «العالم الثالث» المتهم بالتخلف... إذا قلّلوا من انبهارهم الساذج بمثاليات الديمقراطية كما نراها اليوم؟؟

وهنا يحضرني مثال آخر عن انتقاد نسب إلى صحافي أميركي لتجربة الاتحاد السوفياتي أمام أحد الساسة السوفيات إبان «الحرب الباردة». وفي حينه، ركّز ذلك الصحافي على مسألة انعدام الديمقراطية. وهنا أسوق بتصرّف (طبعاً) سير الحوار...

- الديمقراطية تعني الانتخابات والأحزاب، وهذا غير متاح عندكم في الاتحاد السوفياتي...

- «بلى، لدينا حزب، ولدينا انتخابات على مختلف المستويات الحزبية... من المجالس المحلية إلى البريزيديوم»...

- ولكن لا يوجد عندكم إلا حزب واحد. فأين الخيارات المتاحة أمام المواطن؟

- «هذا صحيح، لدينا حزب واحد، لكن الفارق بيننا وبينكم بسيط جداً، إذ ليس عندكم في أميركا سوى حزبين اثنين فقط... وبالتالي، فخياراتكم ليست أوسع بكثير من خياراتنا»!

قد تبدو هذه المحاورة عبثية بعض الشيء. ولعلها غير منطقية تماماً في الظروف العادية، لكننا إذا راجعنا شريطاً للأحداث التاريخية خلال القرن العشرين وما مضى من القرن الحالي لاكتشفنا التالي...

أولاً، الخيارات المُطلقة مُتاحة في الظروف العادية إبان فترات الدعة والتوق إلى التعايش، لكنها غالباً ما تكون عُرضة للمصادرة في الظروف الأخرى، سواء عندما تواجَه السلطة بتهديد خارجي أو تستشعر نذر خطر داخلي. فعلى سبيل المثال، لم تتردّد الديمقراطية الأميركية في احتجاز رعايا يابانيين أبرياء بعد هجوم بيرل هاربر مطلع عام 1941. ولم تجد غالبية مناصري الحزب الجمهوري في خريف 2020 ضيراً في رفض الاعتراف بنتيجة الانتخابات الرئاسية التي خسرها الرئيس السابق دونالد ترمب، مع أنها أجريت إبان حكمه، بل واصلت هذه الغالبية تأييده حتى بعدما حرّض على مهاجمة مبنى الكونغرس (معقل الديمقراطية الأميركية) يوم 6 يناير (كانون الثاني) 2021.

ثانياً، الأنظمة الديمقراطية (في الظروف العادية أيضاً) تتَّسع برحابة صدر إزاء «راديكالية» القوى الهامشية أو الشراذم العدمية أو الجماعات الفوضوية. غير أن ما تُعرف بأحزاب «مؤسسة السلطة» ترتبط واقعياً بمُسلّمات فكرية وتحكمها عادةً شبكات مصالح عليا هي غالباً أكبر من التنوّع المحرّك لآليات الخيار السياسي. وبالتالي، عندما تفرض هذه المصالح العليا ذاتها، تنعدم عملياً خيارات الاعتراض المؤثر. ففي بريطانيا، مثلاً، باتت تهمة «معاداة السامية» - وفق التعريف الإسرائيلي - سيفاً مسلّطاً على أي احتجاج على ما صار، حتى إن الرئيس الأميركي جو بايدن يعدّه «عنفاً مفرطاً» في قطاع غزة. والحزبان البريطانيان الكبيران يميناً ويساراً، المحافظون والعمال، التقت «مصالحهما» على رفض اعتبار ما يحصل في قطاع غزة «حرب إبادة» رغم مقتل نحو 30 ألفاً، جلّهم من المدنيين، منذ هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. بل اللافت أيضاً أن «هيئة الإذاعة البريطانية» ليست وحدها من تحرص خلال تغطياتها الميدانية على استخدام كلمات «ملطّفة» لتجهيل الفاعل مثل «معارك» بدلاً من «قصف»، و«موت» بدلاً من «قتل»، بل تبدو صحف إسرائيلية مثل «هاآرتس» أكثر موضوعية وجرأة في التغطية والتوصيف والتحليل من الصحف البريطانية الجادة.

ثالثاً، المجتمعات التي جرّبت ممارسة الديمقراطية في شكلها «الانتخابي» أخذت تنأى شيئاً فشيئاً عن روح الديمقراطية. إنها تنأى عن أسّس التعايش والتسامح الضامنة لاستمرار الخيار الحُر والمُحاسبة المسؤولة واستقلالية القضاء. ولذا نرى أن بعض المجتمعات التي مارست وتمارس «الشكل الانتخابي» للديمقراطية، إما تعيش أزمة استشراء سرطان الشعبوية العرقية والدينية والمذهبية كحال الهند والمجر وإيطاليا... حتى الولايات المتحدة، أو تلفّها «هستيريا» الرهان على أي خيار غير مجرّب هروباً من الواقع، كحال الأرجنتين اليوم... والبرازيل أيام جايير بولسونارو بالأمس.

رابعاً، مستقبل التعايش والتفاهم دولياً وعالمياً لا يبدو مهدداً بتشوه صورة الديمقراطية فقط كمبدأ وممارسة وقناعات، بل بخطرين كبيرين أيضاً، هما...

- «القنبلة الديمغرافية» مع كل تداعياتها القاتلة على أصعدة الهجرة واللجوء والتصحّر وشحّ الموارد.

- و«القنبلة التكنولوجية» المتمثلة بعصر «الذكاء الاصطناعي»... بعد «ثورة التواصل» و«تقنية المعلومات» وضمور دور الإنسان في عمليات التفاعل والتلاقح الحضاري.

نحن اليوم كبشر نتحوّل شيئاً فشيئاً في أفضل الحالات إلى مستهلكين ومتلقين، وفي أسوأها إلى دمًى صماء بكماء تُملَى عليها إرادات عليا فتعجز عن مقاومتها، بل لا تدرك ما إذا كانت لديها مصلحة في مقاومتها.

إننا الآن أسرى عالم قيل لنا إن بمقدورنا عبر إرادتنا الحرة أن نتحكم فيه، فإذا بنا نكتشف أننا بتنا فيه عاجزين عن انتخاب رئيس بلدة أو عمدة قرية... أو سماع خبر غير مُفبرك... أو قراءة معلومة غير مزيّفة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عالمنا والديمقراطية أي ديمقراطية عالمنا والديمقراطية أي ديمقراطية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 21:17 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

نتنياهو يصادق على "عمليات إضافية" في الضفة الغربية
  مصر اليوم - نتنياهو يصادق على عمليات إضافية في الضفة الغربية

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 19:23 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً
  مصر اليوم - خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 22:20 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 18:23 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

مصر تتسلم مليار يورو تمويلا جديدا من الاتحاد الأوروبي

GMT 22:36 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الأمير الحسين يشارك لحظات عفوية مع ابنته الأميرة إيمان

GMT 13:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 11:40 2024 الثلاثاء ,13 آب / أغسطس

نباتات ذات روائح مميزة يمكن زراعتها بالمنزل

GMT 08:12 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

السلطات السورية تفرج عن صحفي أردني بعد 5 أعوام من اعتقاله

GMT 17:48 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق مفضلة لتنظيف غرفة النوم وتنظيمها

GMT 07:30 2015 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

محمد عادل لاعب "الاتحاد" يتعرض لإصابة في القدم

GMT 23:07 2016 الأحد ,14 آب / أغسطس

طريقة عمل الملبن بالمكسرات

GMT 23:13 2017 الجمعة ,13 تشرين الأول / أكتوبر

مدينة الرقة السورية باتت خالية من داعش بشكل كامل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon