توقيت القاهرة المحلي 16:56:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سوريا... «الانتقال السياسي» ما عاد خياراً

  مصر اليوم -

سوريا «الانتقال السياسي» ما عاد خياراً

بقلم : إياد أبو شقرا

 

ما إن انحسرت حرب «وحدة الساحات» عن أرض لبنان، حتى قرّر «حزب الله» نقلها عبر الحدود السورية، مع كل ما لهذه الخطوة من تداعيات محلية وإقليمية ودولية... وفي فترة حرجة للغاية.

الحزب يدرك، بلا شك، التبعات السياسية لهذه الخطوة جيداً، سواء داخل لبنان أو داخل سوريا.

في لبنان كان بعض أبنائه قد أقنعوا أنفسهم بأن الهزيمة «الانتصارية»، التي تعرّض لها «حزب الله» في حربه الإسنادية الأخيرة مع إسرائيل، يمكن أن تكون من نوع «رُبَّ ضارة نافعة»...

أي ربما تشكل مدخلاً لإعادة الحزب إلى مؤسسة السلطة اللبنانية، بل وعودته «وطنياً» إلى «لبنانيته»... التي ضحّى بها طويلاً في سبيل المشروع السياسي الإقليمي.

أما في سوريا، التي تمرّ راهناً عبر حقبة قد تكون مصيرية، فآخر ما يحتاجه الوضع الملتهب هناك صبّ المزيد من الزيت على النار تلبية لرغبات عباس عراقجي ومن هم خلف الوزير عراقجي.

للعلم، «حزب الله» كان قد التزم علناً بوساطة وسطاء - في مقدمهم حلفاؤه من أبناء بيئته الحاضنة - من أجل إنهاء مسلسل القتل والتدمير والتهجير الإسرائيلي الذي استهدف أساساً تلك البيئة الحاضنة في جنوب لبنان وشرقه والضاحية الجنوبية عاصمته. وبالتالي، فعودته اليوم بسلاحه ومسلحيه، مجدّداً، إلى الأراضي السورية ليواصل على السوريين فرض حكم كثيرة منهم تعارضه وانتفضت ضده، يثبت أمرين اثنين:

الأول، أنه لا يقيم وزناً في لبنان لعودة السلام والأمن وجهود بناء الدولة التي كان قد صادرها نهائياً منذ عام 2008.

والثاني، أن تدخّله العسكري المباشر المتجدد، انطلاقاً من بلدة القصير، لا يعزّز إطلاقاً الشرعية التمثيلية للحكم في دمشق... بقدر ما يثبت - للقاصي والداني - أن الحكم صمد منذ «انتفاضة 2011» نتيجة للدعم والاحتلالين الأجنبيين الفعليين.

في هذه الأثناء، بدأت الولايات المتحدة، التي تظل محركاً أساسياً للعديد من الخيوط في المنطقة، كما نعرف، العد التنازلي لتولي إدارة جديدة تحمل معها جملة من التغييرات الكبرى في مقاربة عدد من الملفات الإقليمية. وطبعاً، في صميم المقاربات الأميركية الخاضعة للمراجعة الدور الإيراني والدور الإسرائيلي. والواضح أن كلاً من الحكم السوري و«حزب الله» يتأثران جداً بلعبة التوازنات التي ستديرها «واشنطن دونالد ترمب» بين طموحات طهران وأولويات تل أبيب.

وبالتالي، لئن كانت التطورات الأخيرة المتلاحقة في المشهد السوري باغتت كثرة من المراقبين العرب، فإنها على الأرجح لم تباغت «مطابخ السياسات» في واشنطن، لا سيما بعد أشهر من الحرب الإسرائيلية على «حزب الله» خصوصاً، وعلى لبنان عموماً.

ثمة تفاصيل، يقال إنها باتت قيد الإعداد، لما يمكن أن يكون عليه «حزب الله» في ظل حجمه الجديد المفروض أميركياً (وإسرائيلياً)... واستطراداً، الثقل المقبول لطهران على مستوى الشرق الأوسط ككل.

وهكذا، فإن الانهيارات العسكرية السريعة التي أشرعت أبواب حلب، ثم حماة، للمعارضة السورية، أكّدت بصورة قاطعة أن العقيدة القتالية للجيش - ناهيك من مبرّرات القتال - ما عادت موجودة، على الرغم من الوجود العسكري الروسي. وهذا، ما ثبت لاحقاً من الفشل باحتواء الأوضاع في كل من درعا والسويداء والقنيطرة ودير الزور.

أما على الصعيد السياسي، فكان لافتاً صدور كلام من جهات غير محسوبة على «معسكر الخصوم»... يلوم الحكم صراحةً على تفويت الفرصة تلو الفرصة للانخراط في تسويات سياسية.

ولقد كان بديهياً، منذ «الخطوط الحمراء» المنسية، التي رسمها الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وسلّمت واشنطن بعدها الروس والإيرانيين زمام المبادرة في سوريا، أن الحكم اعتبر نفسه منتصراً... وبناءً عليه رفض أي تفاهمات أو تسويات سياسية.

وأكثر من هذا، ارتفعت أسهم التشدد في دمشق بالتلازم مع تسجيل «تراجع» عسكري تركي أمام الروس، و«تنازلات» سياسية تركية للإيرانيين تبلورت في «مسار آستانة»، الذي اعتبره كثيرون خذلاناً للمعارضة السورية.

هذا الأمر تجاوزته الأحداث الآن على ما يبدو. وارتسمت حقائق، وظهرت مخاوف، واستنهضت هواجس على امتداد المشهد السوري.

«التقسيم الواقعي» لسوريا يشكّل الآن حالة متفجّرة ما عاد يجوز تجاهلها أو الاستخفاف بمخاطرها إذا خرجت عن السيطرة. واستمرار تجاهل «الانتقال السياسي»، الذي كان ولا يزال محور الجهود السياسية والدولية والطموح الأعظم عند السوريين، خطيئة تُنذر بكارثة قد لا يظل بالإمكان احتواء آثارها وتداعياتها.

بناءً عليه، فإن اجتماع الأمس في الدوحة بين ممثلي روسيا وإيران وتركيا حول سوريا أشار إلى الجدّية التي اكتسبها الوضع السوري خلال الأيام القليلة الماضية، وهذا، مع تذكر حقيقة أن لاعبَين مهمَّين ما كانا مشاركين... هما الولايات المتحدة وإسرائيل.

وطبعاً، لا حاجة هنا للتذكير بأن للأولى حضورها العسكري على الأرض السورية وكذلك في العراق ولبنان «جارتي» سوريا. وللثانية «حدود مفتوحة» أخليَت خلال الساعات الماضية من أي وجود لعناصر الجيش السوري.

في ضوء كل هذا، لا مجال للفراغ.

وفي المقابل، الخوف كل الخوف من الفوضى الناجمة عن مغامرات تدخّل خارجي جديدة.

إن الحل الحقيقي والنهائي هو «انتقال سياسي» سريع وجادّ، يستحقه السوريون وتستحقه سوريا العريقة الرائعة... «حقل غلال» المشرق، ومهد حواضره، وبستان ثماره، وحديقة ياسمينه، ومنبت أحراره، ومكتبة فكره، وممرّ حضارات البشرية ونقطة تقاطعاتها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سوريا «الانتقال السياسي» ما عاد خياراً سوريا «الانتقال السياسي» ما عاد خياراً



GMT 11:57 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

رمزان من القوى الناعمة فى مصر

GMT 10:18 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

الثرثار الرائع

GMT 10:17 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

مَن يخبر الناس؟ الصحافة أم مشاهير السوشيال ميديا؟

GMT 10:15 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

أزمة السودان وخطاب الإقصاء

GMT 10:14 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

للمرة الأولى بعد «الطائف» هناك فرصة لبناء الدولة!

GMT 10:13 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

كليوباترا وسفراء دول العالم

GMT 10:11 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

«قيصر» وضحايا التعذيب في سوريا

GMT 10:10 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

... مستنهِض الضاد

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:53 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

اختيار بشار الأسد كأكثر الشخصيات فسادًا في العالم لعام 2024
  مصر اليوم - اختيار بشار الأسد كأكثر الشخصيات فسادًا في العالم لعام 2024

GMT 02:00 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

حكايات السبت

GMT 01:19 2024 السبت ,07 كانون الأول / ديسمبر

أبحاث جديدة تحذر من علاقة سكر الفركتوز بالسرطان

GMT 16:54 2021 الإثنين ,27 أيلول / سبتمبر

مي عمر بإطلالات شبابية عصرية وأنيقة

GMT 09:22 2021 الثلاثاء ,07 أيلول / سبتمبر

افتتاح معرض شغف في مركز الهناجر للفنون المصري

GMT 13:58 2021 الخميس ,10 حزيران / يونيو

دي بروين مهدد بالغياب عن مباراة بلجيكا ضد روسيا

GMT 05:51 2021 الخميس ,10 حزيران / يونيو

حقيقة مفاوضات الزمالك مع لابا كودجو

GMT 12:52 2021 الجمعة ,04 حزيران / يونيو

سامسونج تطلق حواسب Galaxy اللوحية الجديدة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon