توقيت القاهرة المحلي 22:43:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لبنان: أي غاية تُرتجى من الانتخابات المقبلة

  مصر اليوم -

لبنان أي غاية تُرتجى من الانتخابات المقبلة

بقلم: إياد أبو شقرا

يرى مشككون لا يخلون من الحكمة أن من أقبح ما أنتجته نهاية «الحرب الباردة» حكاية تأسيس ثقافة «الديمقراطية الانتخابية» في بعض دول «العالم الثالث». ومن ثم، إقناع هذه الدول بأن العديد من آفاتها السياسية والاجتماعية «ستتلاشى» بمجرد إنشاء أحزاب، وتنظيم تظاهرات انتخابية، والتغنّي بنعم الخيار الحر!
كثيرون من ساسة العالم الكبار كان لديهم هذا الانطباع المخلص... أو الساذج. إلا أن نفراً من الساسة العقلاء في كل من الدول الغربية ودول «العالم الثالث» كان ولا يزال أكثر واقعية من أن تنطلي عليه هذه اللعبة. وكانت النتيجة أن هؤلاء «الواقعيين» ساروا بها وأتقنوا التلاعب في جزئياتها، وفي نهاية المطاف... حصلوا منها على الغطاء السياسي الذي يناسب مصالحهم.
أكثر من هذا، لاحظنا أن غريزة البقاء من ناحية، وخبرة الحكم الاستبدادي الطويلة من ناحية ثانية، منحتا أفضلية كبرى لديكتاتوريات «العالم الثالث» - بل حتى «العالم الثاني» (أي جمهوريات الاتحاد السوفياتي ودول «الكتلة الشرقية» سابقاً) - في وجه تواضع تجربة دعاة الحريات ومثالية المناضلين الأغرار المنادين بالديمقراطيين. بل إن حتى هؤلاء انتهوا في معسكر أولئك الذين أسكرهم رحيق السلطة عندما وصلت إليهم نعمتها.
وفي المقابل، لئن لمسنا وجود تحوّلات ديمقراطية لا تُنكَر في عدد من دول «العالم الثالث» و«الكتلة الشرقية» سابقاً، فإن كثيرين باتوا يطرحون الآن علامات استفهام حول مدى رسوخ المفاهيم الديمقراطية، ونجاعتها والإجماع الوطني عليها في دول عريقة بتجاربها الديمقراطية، كالولايات المتحدة وعدد من دول أوروبا الغربية، حيث تتنامى النزعات الشعبوية المتطرفة والعنصرية والانفصالية.
هنا، قد يجادل المراقب منا، أولاً بشأن مدى تماسك المؤسسات الديمقراطية في هذه الدول المتقدمة الراقية أمام التأثير الذي تتمتع به وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإعلامية والتضليلية، التي تملكها وتديرها كتل المصالح على الناس، وقدرتها اللامحدودة واللامسؤولة على تحريضهم وتحريكهم.
وإذا كانت الدول الغربية «الديمقراطية» قد ألفت اليوم مشاهد الهجوم على مبنى الكونغرس الأميركي، ومظاهرات الجماعات المشكِّكة بلقاحات «كوفيد - 19»، والتعديات المقلقة على الأفراد والمؤسسات التي يشنها أتباع «نظريات المؤامرة»... أليس من حقنا أن نطرح بعض التساؤلات؟
أهم هذه التساؤلات يتمحور حول «صدق» اقتناع قادة الدول الديمقراطية الكبرى بإمكانية نشوء ما يدعون إليه من شعارات وممارسات في كيانات لم تعتَد يوماً على تجاربهم ومبادئهم وممارساتهم؟
... واستطراداً – في ضوء العديد من التجارب على الأرض – هل يؤمن هؤلاء القادة وحكوماتهم فعلاً، بحق كل الشعوب بأن تختار مصائرها بحرية... بعيداً عن بطش السلاح وإغراءات المصالح الاقتصادية؟
بل هل كل الشعوب – وفق قناعات هؤلاء القادة – تستحق أن تكون حرة وسيدة ومستقلة... فلا تعقد على حسابها، وفوق إرادتها، صفقات استنسابية تأتي بعكس رغبات هذه الشعوب ومصالحها؟
لقد شهد لبنان خلال الأيام القليلة الفائتة حدثين مهمين:
الأول هو إعلان سعد الحريري، رئيس الحكومة السابق وزعيم «تيار المستقبل»، تعليقه نشاطه ونشاط تياره، وإحجامهما عن خوض الانتخابات العامة المرتقبة في الربيع المقبل.
والثاني هو المبادرة الخليجية – العربية – الدولية التي حملها إلى لبنان الرسمي وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح، ودعت الدولة اللبنانية (اليوم في الكويت) إلى مناقشة في العمق لما يجب عمله من أجل حل الأزمة اللبنانية... التي ما عادت تداعياتها محصورة بلبنان، بل أخذت سمومها الخطيرة تمسّ الأمن العربي بأسره.
بلا مواربة أو لعب على الكلام، كان القاسم المشترك اللافت الذي تضمنه إعلان الحريري والمبادرة التي حملها الوزير الكويتي هو موقع إيران في لبنان. ذلك أن الحريري برّر إعلانه تجميد نشاطه السياسي ومقاطعته الانتخابات المقرّرة بواقع الهيمنة الإيرانية على لبنان وسط تخلٍّ دولي عن البلد، في حين نصّت المبادرة التي حملها الوزير الكويتي على قرار مجلس الأمن الدولي 1559 الذي يدعو إلى نزع سلاح الميليشيات الموجود خارج سلطة الدولة.
هذه النقطة خاصة هي «مربط الفرس». إذ لا يعقل إجراء انتخابات حرّة ونزيهة وشفافة بوجود هيمنة سلاح خارج سلطة الدولة، وفي ظل قانون انتخاب نسبي أعرج يفتح باب الاعتراض في مناطق، في حين يمنع السلاح غير الشرعي الاعتراض في مناطق هيمنته المقفلة بوجه خصومه.
ولكن، في المقابل، ثمة قوى دولية وازنة ونافذة في لبنان، تتقدّمها الولايات المتحدة وفرنسا، تصرّ على إجراء الانتخابات... رغم معرفتها التامة بمدى اختلال المعادلة الأمنية والسياسة في البلاد. وهو ما يوحي بأن واشنطن وباريس لا تتحرّجان من توفير «شرعية» إضافية ونهائية لهذه الهيمنة الإيرانية ممثَّلة، بالطبع، في ميليشيا «حزب الله».
وعلى صعيد موازٍ، بينما تسير مفاوضات الملف النووي الإيراني في فيينا بغياب أي نقاش علني للتصرفات العدوانية في منطقة الشرق الأوسط، ترعى العاصمتان الغربيتان الحكومة اللبنانية، وتساعدانها – عملياً – على التطبيع مع نظام دمشق بحجة تأمين «الحاجات الإنسانية» للبنانيين. ولقد كان لافتاً – ولكن ليس مفاجئاً – كلام غير بيدرسن، المسؤول الدولي النرويجي عن الملف السوري، لـ«الشرق الأوسط» بالأمس، عندما قال صراحة إنه «لا خلافات استراتيجية» بين واشنطن وموسكو حيال سوريا، وإن موقف واشنطن من نظام دمشق تغيّر «إذ إنها لا تريد تغييره، بل تغيير سلوكه».
هذا الكلام، يتكامل، لا شك، مع حماسة إدارة الرئيس جو بايدن والعواصم الأوروبية لإنجاح مفاوضات فيينا، أيضاً في ظل الشعار الأميركي «لا نريد إسقاط نظام طهران... بل تغيير سلوكه». وتضاف إليه، التلميحات الإسرائيلية - المتواترة أحياناً - عن رغبة تل أبيب في «تحديد» أو ضبط الوجود الإيراني في سوريا. وهنا، يجب الإشارة إلى أن الوجود العسكري الإيراني منتشر في أماكن عديدة من سوريا، بعضها قريب جداً من خط الهدنة مع إسرائيل. ثم إن هذا الوجود أسقط واقعياً الحدود السورية مع كل من العراق ولبنان، وتبيّن خلال الأيام الأخيرة أنه في ضوء طريق تهريب الكبتاغون وغيره، أسقط أيضاً الضبط والربط على الحدود مع الأردن!
في ضوء كل هذه المعطيات والاختلالات و«الاحتلالات»، لا يعود غريباً التساؤل عمّا يتوقعه المجتمع الدولي من الانتخابات اللبنانية المقبلة.
هل يتوقع المجتمع أي شيء من عملية انتخابية معروفة النتائج سلفاً... غير «شرعنة» احتلال قوى «الأمر الواقع» وديمومته وسط بؤس الحصار والحرمان والتهجير؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان أي غاية تُرتجى من الانتخابات المقبلة لبنان أي غاية تُرتجى من الانتخابات المقبلة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 15:58 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي
  مصر اليوم - نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon