توقيت القاهرة المحلي 20:55:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حيث يحكم قاسم سليماني... على مرأى من عالم صامت!

  مصر اليوم -

حيث يحكم قاسم سليماني على مرأى من عالم صامت

بقلم : إياد أبو شقرا

بينما تعود سلطة الأمر الواقع في العراق إلى محاورة المتظاهرين المنتفضين بالرصاص الحيّ، فإن فرعها اللبناني اختار تكتيكاً مختلفاً... أكثر ملاءمة لظروف البيئة السياسية في لبنان، وطبيعة الحراك الشعبي فيه.
في العراق الملاصق لإيران، الذي يتقاسم معها وجوداً كردياً كبيراً، تحكم الشيعية السياسية علناً، ويقود الشيعة العراقيون أنفسهم الانتفاضة الشعبية ضد الطغمة التي نصّبها قاسم سليماني (قائد «فيلق القدس» في حرس إيران الثوري) كي تضرب بسيف أسيادها. ومن ثم، لا غرابة في اعتماد الأسلوب الذي جرّبته - وينتظر ألا تجرّب غيره - سلطات الملالي و«الحرس الثوري» مع انتفاضات الشعب الإيراني.
عنصر آخر يميز التكتيك العراقي عن التكتيك اللبناني، هو أن التعامل الدولي مع العراق يمرّ عبر ثقب الباب الأميركي أولاً وأخيراً. وكما هو على جانب من الأهمية معروف، الولايات المتحدة هي القوة العالمية الأكبر دوراً في العراق بعد 2003، وهي نظرياً في حالة عداء - حتى الآن - مع إيران، القوة الإقليمية الممسكة بمفاصل القرار السياسي والأمني في بغداد، وبناءً عليه، لا يمكن النظر لما تفعله طهران داخل العراق من دون قراءة حساباتها في ابتزاز واشنطن... وإصرارها على الاحتفاظ بساحتها الأقرب على طريق هيمنتها الإقليمية.
الوضع في لبنان مختلف. صحيحٌ أن البلد تحكمه إيران عبر واجهتها اللبنانية «حزب الله». وصحيح أن «حزب الله» أكمل استحواذه على الحكم بصورة دستورية عبر فرضه مرشحه رئيساً للجمهورية، ثم فرضه قانون الانتخاب الذي أراده للحصول على برلمان مطواع تابع.
كل هذا صحيح. إلا أن الطائفة الشيعية، أولاً، لا تشكّل بمفردها غالبية السكان في لبنان. وثانياً، ما زال لفرنسا دور ثقافي - مذهبي تلعبه داخل البلد سمح لها بنسج علاقة رعاية، أقلّه لبعض الطوائف المسيحية التي تعيش اليوم في حالة ضياع سياسي.
فرنسا، في الحقيقة، سعت دائماً إلى تذكير اللبنانيين، وبالذات المسيحيون منهم، بأنها الأم الحنون التي تحدب عليهم، ولن تتخلى عنهم أمام غوائل الزمن... وأن سجلها «الحضاري» إزاء فكرة لبنان أقدم من وجود الكيان اللبناني نفسه.
أصلاً، خريطة لبنان الحالي رُسمت في فرنسا.
كذلك كانت فرنسا - التي لجأ إليها آية الله الخميني - الملاذ الذي قصده عدد من زعماء المسيحيين اللبنانيين إبان اشتداد قبضة الجهاز الأمني السوري - اللبناني على لبنان في فترة الحرب اللبنانية (1975 - 1990) وما بعدها، من ريمون إده وأمين الجميل... وانتهاء بميشال عون. وبعد ذلك، نسجت باريس علاقات خاصة مع رفيق الحريري، ومن ثم «الحريرية السياسية» عبر نجله سعد رئيس الحكومة المستقيلة.
وليس سراً أن موقف باريس، حتى قبل مؤتمر «سيدر»، الذي يحلم اللبنانيون أن يحمل لهم الترياق المنشود، يواصل دعم منظومة الحكم الحالي. وهو لا يكتفي بتشجيع سعد الحريري على السير في ركاب «التسوية الرئاسية» الكارثية التي حملت ميشال عون، مرشح «حزب الله»، لرئاسة الجمهورية، بل يشجعه على الصمت إزاء انقلاب «حزب الله» وعون على «اتفاق الطائف» الذي لم يحظَ في يوم من الأيام بتأييدهما.
الدور الفرنسي ناشط الآن في محاولة وأد الانتفاضة الشعبية اللبنانية، عبر الالتفاف عليها، وتبنّي التسريع بتشكيل حكومة «تخديرية» ستكون نسخة طبق الأصل عن الحكومة المستقيلة... التي كان يديرها فعلياً «الثنائي الشيعي» («حزب الله» وحركة أمل)، ويترأسها فعلياً أيضاً وزير الخارجية جبران باسيل.
اللبنانيون، وكذلك القيادتان الفرنسية والأميركية، على بيّنة مما حصل ويحصل في لبنان. الكل يعرف حقيقة الوضع. بل إن عقلاء اللبنانيين يدركون منذ بعض الوقت أن إيران تلعب بعدة أوراق في وقت واحد، أهمها:
- الورقة الأمنية - العسكرية، عبر احتكار السلاح واختراق الأجهزة الأمنية والعسكرية الرسمية اللبنانية.
- الورقة الديموغرافية - الجغرافية، مستفيدة من النمو السكاني الشيعي الأعلى نسبة في لبنان، مقابل انحسار الوجود المسيحي المتفاقم بتزايد الهجرة البعيدة الدائمة.
- الورقة المالية - الاقتصادية، حيث توفّر الهيمنة الأمنية لـ«حزب الله» مناخاً حامياً ومؤاتياً لمشروع الهيمنة الاقتصادية والعقارية على لبنان، وتدعمه نشاطات الحزب المالية المعلنة وغير المعلنة في دول المهجر والتحويلات المنتظمة منها.
- الورقة الطائفية، مع تقديم طهران نفسها راعية لـ«حلف الأقليات» ضد «البحر السنّي المتلاطم» في الشرق الأوسط، عبر «حزب الله» في لبنان ونظام بشار الأسد في سوريا، وبدعم مباشر من روسيا. وحقاً، كان الدور الإيراني المشبوه في خلق «داعش» وتمويله، والإحجام عن استهدافه في المراحل الأولى من الثورة السورية المقدمة الضرورية لـ«شيطنة» السنّة، وتهميشهم، بعد تبرير تهجير 12 مليون سنّي من سوريا، وما لا يقل عن 5 ملايين سنّي في العراق، وتدمير حواضر كحلب وحمص والموصل.
- ورقة الابتزاز الدولي، بفضل استثمار الاتفاق النووي مع إدارة باراك أوباما وروسيا والقوى الأوروبية. ومحاولة زرع إسفين في جبهة المعترضين على سياسات الملالي في المنطقة ومشروعها الإقليمي من الهلال الخصيب إلى باب المندب فالخليج.
- ورقة تقاطع المصالح مع إسرائيل، بعدما تبيّن منذ 2006، ثم 2011، أن المواجهة الإيرانية - الإسرائيلية «نزاع حدود»، ولم تكن في يوم من الأيام «صراع وجود»... كما يحاول «المقاومون» التحريريون إيهامنا.
يوم غد الاثنين، ما لم تحصل مفاجأة، سيكلّف رئيسُ حكومة جديد بتولّي المنصب، الذي بدأ يعود تدريجياً إلى هامشيته قبل «اتفاق الطائف» نتيجة للإمعان في التطاول عليه وتهميشه.
يوم غد، أكرّر، ما لم تحصل مفاجأة غير محسوبة، سيشهد اللبنانيون استشارات نيابية «مسرحية» بعد أكثر من خمسة أسابيع من استقالة الحكومة، وامتناع رئيس الجمهورية - خلافاً للدستور - عن إجراء الاستشارات المُلزمة. وسيكلَّف «رئيس بالاسم»... شكّل سلفاً الذين فرضوه حكومته نيابة عنه.
يوم غد، إذا سارت الأمور كما يشتهي «حزب الله»، والصامتون على هيمنته، داخل لبنان وفي عواصم القرار الدولي، ستتجاهل طبقة سياسية تحتقر شعبها وتتاجر به، وتعبث بغرائزه وتستخف بلقمة عيشه، مطالب الناس وظلاماتهم.
ستصمّ آذانها عن صراخ أطفال جياع وشيوخ عاجزين وعائلات مفجوعة بانتحار معيليها. وستركل آخر فرصة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في بلد... ما عاد يهمّ العالم إلا أن يصمت ويكفّ عن تصدير أبنائه إليها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حيث يحكم قاسم سليماني على مرأى من عالم صامت حيث يحكم قاسم سليماني على مرأى من عالم صامت



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:31 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

التعادل السلبى يحسم مباراة تشيلسي وايفرتون

GMT 04:44 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان يصل إلى السعودية

GMT 11:41 2018 الثلاثاء ,17 تموز / يوليو

شيرين رضا تكشف سعادتها بنجاح "لدينا أقوال أخرى"

GMT 09:36 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

دراسة تنفي وجود "مهبل طبيعي" لدى النساء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon