توقيت القاهرة المحلي 10:58:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إلى أين يتجه «محافظو» بريطانيا؟

  مصر اليوم -

إلى أين يتجه «محافظو» بريطانيا

بقلم - إياد أبو شقرا

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية التي شهدت هزيمة محوَر النازية الألمانية والفاشية الإيطالية في أوروبا، لم تتهدد الديمقراطيات الغربية «من الداخل» إلا بنوبات محدودة وفي فترات متباعدة. وإذا ما استثنينا «ديكتاتوريتي» فرنشيسكو فرانكو في إسبانيا وأنطونيو سالازار في البرتغال، اللتين سقطتا فيما بعد أمام المد الديمقراطي، يمكن القول إن أوروبا الغربية -على الأقل- ظلت بمنأى عن الأنظمة الديكتاتورية.

إلا أن هذا الواقع، كما تثبت الأحداث، ما عاد يعني أن «المناعة» ضد عودة الديكتاتورية مضمونة أو طويلة المفعول. وثمة مثال مهم على الضفة الأخرى من المحيط الأطلسي؛ حيث بني النظام السياسي في الولايات المتحدة على ديمقراطية تمثيلية ممتازة، وتعلّمت القيادات الأميركية من أخطائها فطوّرت ممارساتها ورسّخت مفاهيم «فصل السلطات» و«الضوابط والتوازنات» و«تلازم الأكثريتين العددية والتعددية». ولكن، مع هذا، لم تبقَ أميركا «محصنّة» ضد جموح التطرف.

بدايةً، على الرغم من التفاهمات والمساومات الهادفة إلى تعايش دعاة «السلطة المركزية» مع فيدراليي «حقوق الولايات»، وقعت الحرب الأهلية الأميركية بين 1861 و1865. وبعد ذلك، على الرغم من إلحاق أميركا الهزيمة بديكتاتوريات أوروبا واليابان، فإنها سرعان ما عاشت «ديكتاتورية» من نوع مختلف شكلتها الحقبة «المكارثية» التي كادت تطيح بالحريات العامة وحكم القانون.

كذلك على الرغم من نجاح إدارة الرئيس فرانكلن روزفلت، بعد هزة «الكساد الكبير»، في تأمين شبكة الأمان الاجتماعي للأميركيين عبر «الصفقة الجديدة» (بين 1933 و1939) عاشت البلاد بضع حقب هُدّدت فيها شبكة الأمان جدياً، ولا سيما إبان حكم رونالد ريغان.

وأخيراً، مع أن أميركا «بلد مهاجرين»، فإن موضوعي «الحقوق المدنية» للمتحدّرين من أصول أفريقية و«مد المهاجرين» براً عبر الحدود البرية مع المكسيك وبحراً في البحر الكاريبي وخليج المكسيك، أثبتا في الماضي والحاضر هشاشة الاستقرار في بلد ضخم يقوم على الاقتصاد الحر، والتنوع الديمغرافي، والتفاوت في معدلات النمو والاستثمارات والتعددية الثقافية.

والحال، أن ولايتي تكساس وفلوريدا «الحدوديتين»، ثاني وثالث أكبر الولايات سكاناً، والولايتين الأكثر جذباً للمهاجرين... هما اليوم الأكثر يمينية والأشدّ عداء للهجرة، وعلى أصواتهما يعتمد اليمين الجمهوري المتطرف في فرض سياساته وتثبيت أقدامه.

سياسات اليمين الأميركي المتطرّف وفدت إلى بريطانيا على دفعتين: الأولى في «الحقبة الريغانية - الثاتشرية» بين أواخر السبعينات ومنتصف التسعينات، والثانية إبان «حقبة ترمب - بريكست» المستمرة حتى اليوم. في الحقبة الأولى لعب الإعلام التابع للناشر الثري الأسترالي الأصل روبرت مردوخ دوراً محورياً في الترويج لليمين الأميركي - الريغاني (المدعوم بتيار «الأكثرية الأخلاقية» الأميركي الأصولي المسيحي المتطرف) داخل بريطانيا، بمباركة من ثاتشر وكوكبة من أعوانها ومستشاريها، بينهم ألفريد شيرمان، وروجر سكروتون، ونورمان ستون. ويومها، صارت صحيفة «التايمز» صوتاً للنزعة الريغانية داخل أوساط المحافظين البريطانية بمواجهة التيار المعتدل (محافظو «الأمة الواحدة») والمحافظين البراغماتيين من ذوي التوجهات الأوروبية والتوافقية. واستمرت هذه الحقبة حتى تمكُّن تحالف المعتدلين والبراغماتيين من إنهاء حكم ثاتشر، واختيار زعيم توافقي بديل هو جون ميجر... والنجاح في إبقاء المحافظين في السلطة 4 سنوات إضافية.

العمق الأميركي، «الترمبي» هذه المرة، عاد في الحقبة الثانية الحالية إلى التأثير على موازين القوى داخل الحزب البريطاني العريق، عبر جيل الشاب الذي انجذب إلى سياسات اليمين في أيام ثاتشر، واعتبر أن تيار الاعتدال المحافظ فشل في منع عودة حزب العمال إلى الحكم عام 1997. وكما هو معروف كان هذا الجيل اليميني المتطرف -ومنه نسبة عالية من أبناء المهاجرين- قد استفاد من عودة يساريي العمال إلى قيادة حزبهم مع جيريمي كوربن. وفي حين كان الخروج من أوروبا والعداء الشديد للهجرة في طليعة أولويات اليمين المحافظ، كان هناك في المقابل توجّه مماثل ضد أوروبا عند مناصري كوربن الراديكاليين في حزب العمال. ومن ثم وفّر الخروج -(البريكست)، المعادي ضمنياً للهجرة والمهاجرين- دعماً إضافياً ثميناً لليمين الثاتشري، الذي استعاد الهيمنة على حزب المحافظين مطيحاً بالمعتدلين.

لكن الجديد اليوم هو اللهجة التي باتت تُسمع حتى من وزراء في الحكومة الحالية، وبالذات خلال «مؤتمر المحافظين الوطنيين» الذي يحمل بصمات جماعات أميركية معروفة.

هذا المؤتمر والتوجهات التي ظهرت خلاله عبر كلمات المتكلمين، يدلّ على أن من كانوا تياراً هامشياً في توجهات الحزب وتنظيمه صاروا التيار الأقوى فيه، وأن خطابهم السياسي ما عاد يخجل من التعبير عن كل ما تعبّر عنه قوى اليمين المتطرف في إيطاليا وفرنسا والمجر، على سبيل المثال... سواءً على صعيد «الخطر الديمغرافي» الذي يشكّله المهاجرون أو تراجع نسبة المواليد على المسيحيين والعرق الأبيض... أو حتى ربط الهجرة بـ«مؤامرة كونية ماركسية».

إبان حكم ثاتشر كان مثل هذا الكلام شبه العنصري يعلنه فقط بعض شباب المحافظين المتحمس... وتنفي قيادة الحزب تبنيه، أما اليوم فإن مؤتمر «المحافظين الوطنيين» حظي بمشاركة وزيرين في الحكومة التي يرأسها ابن مهاجرين هندوسي، ويمسك أبناء المهاجرين المعادون للهجرة أهم حقائبها. وكان أحد هذين الوزيرين سويلا برافرمان وزيرة الداخلية. وهذه الوزيرة -المسؤولة بحكم منصبها الوزاري عن ملفي الهجرة ومكافحة العنصرية- هي نفسها بوذية متحدّرة من أصل هندي مهاجر، ومتزوجة من يهودي من أصل مهاجر أيضاً!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إلى أين يتجه «محافظو» بريطانيا إلى أين يتجه «محافظو» بريطانيا



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:11 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
  مصر اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 11:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 04:54 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة
  مصر اليوم - الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة

GMT 10:32 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها
  مصر اليوم - ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها

GMT 11:08 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
  مصر اليوم - الكشف عن قائمة بي بي سي لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 23:04 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

رونالدو يحرز الهدف الأول لليوفي في الدقيقة 13 ضد برشلونة

GMT 06:59 2020 الأربعاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تونس تتأهل إلى نهائيات "أمم أفريقيا" رغم التعادل مع تنزانيا

GMT 05:53 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

موضة ألوان ديكورات المنازل لخريف وشتاء 2021

GMT 09:41 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حسام حسن يعلن قائمة الاتحاد السكندري لمواجهة أسوان

GMT 03:51 2020 الأحد ,18 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الدفاع يشهد المرحلة الرئيسية للمناورة ”ردع - 2020”

GMT 04:56 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

فنادق تعكس جمال سيدني الأسترالية اكتشفها بنفسك

GMT 23:44 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على تباين

GMT 11:46 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

جوارديولا يهنئ ليفربول بـ كأس الدوري الإنجليزي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon