توقيت القاهرة المحلي 22:43:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لبنان: معركة المسيحيين الرئاسية… واستقلالية القضاء

  مصر اليوم -

لبنان معركة المسيحيين الرئاسية… واستقلالية القضاء

بقلم: إياد أبو شقرا

بعد كابوس الأيام الثلاثة الماضية في لبنان، قد لا يكون مستساغاً إثارة مزيد من المشاعر والعصبيات الطائفية. ولكن ما الحيلة مع بيئة لا تفهم السياسة إلا غلبة وهيمنة وكيدية وتحريضاً.
حقيقة الأمر أن جريمة بفظاعة تفجير مرفأ بيروت لا يجوز أن تمر مرور الكرام. وبالفعل، بدأت مسيرة التحقيق المترنحة وسط تجاهل حقائق مريرة، أهمها:
- واقع «الاحتلال» الأمني والعسكري الذي يحول دون إجراء أي تحقيق نزيه بصرف النظر عمّن يُجريه. وفي الماضي غير البعيد، يتذكر اللبنانيون والمجتمع الدولي كيف تعذّر اضطلاع القضاء اللبناني بالتحقيق في جريمة مقتل رفيق الحريري ورفاقه. بل إن الثنائي الشيعي («حزب الله» وحركة «أمل») رفض يومذاك التحقيق الدولي وقاطع وزراؤه الحكومة، قبل أن يبدأوا العمل على إسقاطها... وقد فعلوا.
- الانقسام العمودي الطائفي الفظيع أثبت أنه أقوى من «الانتفاضات» و«الثورات». بل إن شعار «التغيير والإصلاح» غدا أقبح انقلاب عملي على مضمونه عندما أتاح «الاحتلال» لرافعيه تولّي السلطة كواجهة زبائنية، لا أكثر ولا أقل.
- انهيار الحدود مع سوريا، التي حوّل نظامها ورعاته الإقليميون والدوليون، «انتفاضتها» الشعبية إلى حرب أهلية، لم يسلم من شظاياها لبنان. وطبعاً، لبنان هو اللاعب الأصغر والأضعف في المنظومة الشرق أوسطية المُستهدفة بمخطط تمدد إيراني مدعّم بـ«حلف الأقليات».
- الصفقات الدولية الكبرى الهادفة إلى إعادة رسم خرائط المنطقة و«تحالفاتها» وموازين القوى فيها. وفي صميم هذه الصفقات دور إسرائيل وحساباتها التكتيكية والاستراتيجية التي تحتل مرتبة متقدمة في سلم أولويات الولايات المتحدة وروسيا والصين والقوى الأوروبية. وهنا، من المفهوم أن العديد من المناورات، وإنْ بدا بعضها متناقضاً، يتقاطع عند مصالح إسرائيل التي يتأكد أكثر فأكثر أنها تشمل «تقاسم» المنطقة مع إيران، وشروط التعايش مع وجودها الدائم.
عودة إلى التحقيق بجريمة مرفأ بيروت، التي غدت الآن «قميص عثمان» في تجاذبات القوى الطائفية، فإنه لا يوجد أصلاً توافق على ما إذا كان ما حدث في أغسطس (آب) 2020 «انفجاراً» أو «تفجيراً». فإذا ما كان انفجاراً، فمَن استورد المواد المتفجرة (نيترات الأمونيوم)، ومَن خزّنها، ومَن يملكها، وبعلم أي جهة جاءت وخزّنت. وإذا كان «تفجيراً» فكيف حدث؟ ولماذا لم تعلن الجهة المفجّرة مسؤوليتها عنه إذا كان هدفها منع استخدام هذه المواد في إعمال عسكرية تضرّ بها؟
الشائعات كثيرة، في ظل الحقائق المشار إليها آنفاً. ثم إن «الدولة اللبنانية» لم تعد عملياً - بمؤسساتها وولاءاتها المنقسمة وقوى «الأمر الواقع» المتحكمة بها - مرجعية صالحة للاضطلاع بقضية يمتزج فيها حكم القانون بنفوذ «الأمر الواقع». واليوم، من جهة، تُفاقم الوضع آفات الحرمان والبطالة والانهيار وجائحة «كوفيد - 19». ومن جهة ثانية، حسابات السياسة على أبواب الانتخابات العامة والرئاسية المقبلتين.
التدخل السياسي العلني في التحقيقات القضائية أطاح القاضي فادي صوّان، أول محقّق تسنّد إليه المهمة. وها نحن الآن أمام الرفض المطلق للقاضي الثاني طارق البيطار.
«الثنائي الشيعي» يقود علناً الحملة ضد القاضي البيطار الذي طلب للتحقيق أربعة ساسة هم: وزيران شيعيان سابقان ووزير سني سابق ووزير ماروني سابق محسوب على كتلة حليفة لـ«الثنائي الشيعي». وفي المقابل، لأسباب متنوعة، منها ما هو دستوري، لم يُحِل القاضي إلى التحقيق مسؤولين أمنيين رفيعين. بل إنه لم يطلب أخذ إفادة من رئيس الجمهورية، الذي سبق أن اعترف بأنه علم بوجود المواد المتفجّرة قبل فترة قصيرة من الحادث المروّع الذي قتل أكثر من 200 شخص وجرح آلافاً آخرين ودمّر جزءاً كبيراً من العاصمة بيروت.
نعم، يعمل «الثنائي» اليوم على إزاحة القاضي (وهو مسيحي). وبالفعل، نقل معركته الضاغطة إلى الشارع، في استخفاف صريح بمؤسسات الدولة التي عمل منذ 2006 على تقزيمها، بل تدميرها. ويرى «حزب الله»، خاصة، أن القاضي متحامل ويقود «حرباً على المقاومة وبيئتها» تحت ادعاءات العدالة.
وفي المقابل، ثمة تيار واسع من اللبنانيين يرى أنه لا بد من إنهاء هذا الوضع الشاذ، والتصدي للفساد والمحسوبيات و«منظومة السلطة» المستفيدة من الاحتلال والعاملة على تغطيته.
والحال، أنه في ظل وضوح الرؤية على الساحة الشيعية، حيث يتحكّم «حزب الله» في القرار الحاسم (وتؤدي حركة «أمل» دور «نظام امتصاص الصدمات» والحوار الداخلي)، وضعف الساحة السنّيّة المهمّشة والمنقسمة على نفسها، يتركز النشاط الأكبر والأخطر في الساحة المسيحية.
هذه الساحة المسيحية منقسمة راهناً إلى 4 اتجاهات أساسية:
الاتجاه الأول، تمثله القوتان المتضامنتان مع «الثنائي الشيعي»، أو المستسلمتان له، لاعتبارات عدة أبرزها حسابات معركة رئاسة الجمهورية. وهو يضم «التيار الوطني الحر» (العوني) وتيار «المرَدة» (فرنجية). ومفهوم أن مرشح «حزب الله» للرئاسة في العام المقبل سيكون أحد رئيسي التيارين جبران باسيل (ذا العلاقة السيئة مع حركة «أمل») أو سليمان فرنجية.
الاتجاه الثاني، تمثله القوة المناوئة المسيحية الأكبر حزب «القوات اللبنانية»، وهو يكسب سياسياً وشعبياً كلما ازداد الخوف المسيحي من سطوة «حزب الله».
الاتجاه الثالث، يمثله مسيحيو تنظيمات «انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019» المتعددة المشارب والمرتبكة الرؤية، التي تسيء في كثير من الأحيان إلى «الانتفاضة» بسبب انقساماتها وتخبطها و«غموض» بعض قياداتها.
الاتجاه الرابع، تمثله القوى السياسية المسيحية التقليدية التي تنشط لمنع احتكار «القوات» شرف التصدّي لسطوة الحزب و«الشيعية السياسية»، ومنها الأحزاب المسيحية القديمة كـ«الكتائب اللبنانية» و«الكتلة الوطنية» و«الوطنيون الأحرار». غير أن هذه القوى متهمة بالنسبة لـ«الانتفاضيين» بأنها جزء من المنظومة الحاكمة، وبالتالي، لا تستحق الرهان عليها.
وسط هذه الاتجاهات الأربعة، تواصل البطريركية المارونية إعلان مواقف جريئة جداً ضد «حزب الله»، لكنها على الصعيد العملي ما زالت تحرص على علاقات طبيعية مع رئيس الجمهورية. وهي في ذلك، تبعث برسائل «رمادية» إلى كل من الداخل اللبناني والمجتمع الدولي.
والحقيقة المؤلمة إن استمرار المرجعية الدينية المسيحية الأكبر في تغطية رئيس الجمهورية - بحجتي منع الفراغ والمحافظة على صلاحيات الرئيس - تعني المساعدة بصورة غير مباشرة على تشديد قبضة إيران على لبنان، و«تيئيس» قطاع واسع من اللبنانيين من جدوى بناء جبهة عريضة تعمل على إعادة بناء «دولة مؤسسات» حرة وسيدة ومستقلة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان معركة المسيحيين الرئاسية… واستقلالية القضاء لبنان معركة المسيحيين الرئاسية… واستقلالية القضاء



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 15:58 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي
  مصر اليوم - نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon