توقيت القاهرة المحلي 22:43:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لبنان نحو «مثالثة» بشروط طهران... إلَّا إذا

  مصر اليوم -

لبنان نحو «مثالثة» بشروط طهران إلَّا إذا

بقلم:إياد أبو شقرا

لست واثقاً من نسبة الذين تفاءلوا بنجاح المبادرة الفرنسية لإنقاذ لبنان من الانهيار، إلا أنَّني متأكد من أنَّ معظم المتفائلين ما كانوا من أولئك الذين يعرفون ما يكفي عن أسباب فشلها.
ما حدث أمس في قصر بعبدا الرئاسي، بضواحي بيروت، عندما وقف «رئيس الحكومة المكلّف» الدكتور مصطفى أديب، ليعلن اعتذاره عن المضي قدماً بتشكيل الحكومة العتيدة، كان لافتاً.
كان نسخة طبق الأصل تقريباً عن سيناريو «التجربة العراقية» في مرحلة ما بعد حكومة عادل عبد المهدي. فما حصل في لبنان، وقد يستمر حتى مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، هو «التطبيق الإيراني» ذاته المستخدم للمناورة وكسب الوقت في سياق استراتيجية طويلة الأمد لوضع اليد نهائياً على البلاد.
في العراق، «استهلكت» مناورات إيران وأدواتها العراقية «رئيسين مكلّفين»، هما محمد توفيق علاوي وعدنان الزرفي، قبل اضطرارها إلى القبول بمصطفى الكاظمي، الذي تعتبره إيران «أقربَ إلى واشنطن من إلى طهران».
وفي لبنان، حيث تتحكّم طهران في مفاصل اللعبة أمنياً وسياسياً بالكامل تقريباً، خذل التحدي الإيراني تدخلاً فرنسياً رفيع المستوى، وعطّل السير قدماً نحو صيغة تعايش سياسي مرحلي.
والمثير في الأمر، هنا، أن الصيغة المشار إليها قد تفضي في نهاية المطاف إلى «مؤتمر تأسيسي». وهذا هو المحطة التي يأمل منه شارع إيران وبيئتها المذهبية في لبنان التوجّه منها نحو تجاوز «اتفاق الطائف»، والذهاب - مرحلياً أيضاً - نحو «مثالثة» شيعية - سنّية - مسيحية لا يُشترط قبلها نزع سلاح ميليشيا «حزب الله»، بل تترسّخ في ظلها غلبة هذا السلاح... وكل مكاسبه وتبعاته.
إيران عاملت وتتعامل مع العراق منذ 2003 على أنه دولة تابعة تدور في فلكها، وتنتظر ضمها نهائياً إلى دائرة نفوذها. وبجانب حقيقة أنَّ القيادة الإيرانية تراهن على «الغالبية العددية» الشيعية التي تأمل أنْ تسهّل لها مهمتها، سبق لعدد من القادة الإيرانيين الإشارة علناً إلى أنَّ «الأرض التي تقوم عليها بغداد كانت عاصمة إيران التاريخية».
هذا كلُّه حصل قبل الانتفاضات الشعبية ضد الهيمنة الإيرانية في جنوب العراق، حيث الثقل الديمغرافي الشيعي. والمهم حقاً أنَّ هذه الانتفاضات التي عاشتها مختلف مدن جنوب العراق، بما فيها كربلاء والنجف الأشرف، جاءت لتنسف فلسفة «الفرز المذهبي» للحالة العراقية، التي قضت عند عدة مفاصل - وبالذات، إبان حكم نوري الملكي - بلعب «الورقة الداعشية» المطلوبة للحفاظ على الاصطفاف المذهبي الصرف.
فلسفة «الفرز المذهبي» طُبّقت، بالفعل، بالتواطؤ مع بعض السلطة في بغداد. ونجحت طويلاً في إسكات الأصوات الوطنية الشيعية وابتزازها بـ«الغول الداعشي» المطلوب وجوده، ولا سيما بعد مجازر الموصل وسنجار وبلدات سهل نينوى. إذ كان ضرورياً صرف الوطنيين العراقيين الشيعة عن قضاياهم المطلبية المعيشية، وإبعادهم عن ولائهم الوطني لدولة حرة سيدة ومستقلة اسمها العراق... وهويتهم العربية القومية الجامعة للمكوّنين الشيعي والسنّي.
في جنوب العراق، وكذلك في قلب بغداد، انكشفت بعد الانتفاضات هشاشة «الفرز» المتعمد ضمن استراتيجية التفرقة، وصولاً إلى وضع اليد بقوة سلاح ميليشيات اصطنعها وسلَّحها ودرَّبها «الحرس الثوري الإيراني»، وفرضها لاعباً «شرعياً» ضمن منظومة السلطة.
ما حدث في لبنان منذ «انتفاضة 17 تشرين» في أواخر الخريف الماضي، وما زال يحدث حتى اليوم، هو تثبيت للفلسفة ذاتها وبالأسلوب ذاته. أما الفارق الوحيد، فهو أنَّ ميليشيا «حزب الله» ما زالت من الناحية الرسمية خارج ملاك الدولة اللبنانية، ولو كانت قد «شُرعنت» بموجب بدعة «ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة»... المفروضة فرضاً بسلاح »المقاومة! «
صحيح أنَّ ميليشيا «حزب الله»، حقيقة واقعة، وصحيح أنَّ المؤسسات الأمنية والمالية والصحية والتربوية والاجتماعية والخدماتية والاتصالاتية مؤسسات موازية للدولة اللبنانية، ولديها استقلالية شبه كاملة عنها، لكن الصحيح أيضاً أن لهذه الميليشيا حصتَها داخل الدولة أيضاً.
بكلام آخر، الميليشيا هذه تتقاسم ما في الدولة مع باقي المكوّنات اللبنانية، في حين تحتفظ لنفسها منفردة بـ«دولتها» الخاصة... التي يقال إنها أكبر من الدولة. وإزاء هذا الوضع، ثمة إشكاليات تعقّد المقاربات العربية والدولية لمعالجة محنة لبنان المتفاقمة يوماً بعد يوم وساعة بعد ساعة.
العالم العربي يدرك أنَّ الدولة اللبنانية غدت أسيرة لـ«حزب الله». ومن ثم، فإنَّ أي دعم يقدّم لهذه الدولة العاجزة ستنتهي عنده... أو في تصرّفه.
والدول الأوروبية، وبالأخص، فرنسا - القوة المنتدبة سابقاً على سوريا ولبنان - تتفهم أيضاً حقيقة الوضع، غير أنها ترى إمكانية إحداث فجوة في الجدار من أجل إنقاذ بلد بات على شفير الهاوية. وهذه الدول، وفي طليعتها فرنسا، كانت حتى اليوم - على الأقل - تراهن على أن «حزب الله» يظل «مكوّناً لبنانياً»، و«يتمتع بشرعية تمثيلية في طائفته» ما يستوجب التفاهم معه وتجنب استبعاده. ومن ناحية أخرى، وقفت هذه الدول، ولا تزال، ضد السياسات الأميركية المتبعة حيال إيران منذ نزع الرئيس الأميركي دونالد ترمب اعترافه بالاتفاق النووي مع إيران، وواصل فرض عقوبات عليها. والواضح أنَّ تمايز المواقف الأوروبية عن مواقف واشنطن من طهران، أعطى الإيرانيين متنفساً كبيراً للمناورة. واستطراداً، دفع «حزب الله» إلى تشديد قبضته على الوضع الداخلي في لبنان. وفي هذا الشق الثاني، أي تشديد الحزب قبضته على لبنان، جاء «انقلاب» الحزب على «المبادرة الفرنسية»، وإفشاله أمس تشكيل حكومة اختصاصيين أكفاء ومستقلين عن الأحزاب، كما جاء فيها.
وأخيراً، هناك واشنطن.
الموقف الأميركي، في ظاهره متشدّد وصريح في تعريفه لـ«حزب الله». إذ إنه في نظر واشنطن «تنظيم إرهابي تابع لإيران» ويعمل على تعطيل الحياة السياسية في لبنان، ويزرع الإرهاب على امتداد المنطقة. غير أن التدابير الأميركية المتخذة لمواجهة الحزب تعتمد أساساً على العقوبات المباشرة وغير المباشرة، والمشكلة الكبرى هنا، أن ما يضر الحزب قيراطاً يضر لبنان واقتصاده المتهالك 24 قيراطاً.
ثم إنَّ واشنطن دخلت العد العكسي للانتخابات، ما يعني أنَّ أي مغامرة عسكرية، سواء ضد الحزب أو حاضنته الإيرانية، أمرٌ مستبعدٌ. وهذا في الوقت الذي يراهن الإيرانيون عبر سياسة الابتزاز و«النفس الطويل» على تغيير في واشنطن، قد يعيد «اللوبي الإيراني الأميركي» للإمساك بملف العلاقة مع طهران وأدواتها في العالم العربي.
إنها استراتيجية حائك السجاد... ونفَسِه الطويل!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان نحو «مثالثة» بشروط طهران إلَّا إذا لبنان نحو «مثالثة» بشروط طهران إلَّا إذا



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 15:58 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي
  مصر اليوم - نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon