توقيت القاهرة المحلي 23:36:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الخوف... سبب ثلاثة أرباع آفات السياسة

  مصر اليوم -

الخوف سبب ثلاثة أرباع آفات السياسة

بقلم - إياد أبو شقرا

في عالم يصدمنا بالمفاجآت كل يوم تقريباً، تلحّ على ذاكرتي كلمات القائد العسكري والسياسي النازي الألماني هيرمان غورينغ لصحافي أميركي كان يتكلم أمامه عن فضائل الديمقراطية التي تعصم عن المغامرات السياسية القاتلة.
يومذاك، قاطعه غورينغ - من سجنه، قبل انتحاره بالسم - سائلاً «أي ديمقراطية... أي خيار للشعب؟ عندما تزرع الخوف في نفوس الناس تراهم يعطونك قرارهم وحرياتهم بلا تردد!!».
هذه الكلمات سمعتها منذ سنوات بعيدة، لكن صدقها تثبته الأحداث التي نراها من حولنا في معظم دول العالم، بصرف النظر عن الأحجام والثراء والثقافة ونوعية النظام السياسي.
الخوف، ربما أكثر من الطمع، هو السبب الأكبر والأخطر لآفات السياسة على امتداد المعمورة.
الخوف من أي شيء، من أي فكرة، من أي هوية، من أي تيار، ومن أي «عدو» حقيقي أو وهمي أو مصطنع... يبني قناعات ويولّد توجهات ويثمر مواقف وقرارات - قد تكون مجنونة - حول السلم والحرب.
لئن كانت «الديمقراطية»، التي كان تغنّى بها ذلك الصحافي الأميركي أمام غورينغ، واعتبرها خياراً واقياً من الأخطاء والحروب، هي حقاً كذلك... لما ارتكبت الديمقراطيات الغربية أخطاء استراتيجية فظيعة ولا تزال.
بل ما كانت أسس الديمقراطية نفسها مهدّدة في مصيرها داخل أكبر ديمقراطيات العالم كالولايات المتحدة والهند - مثلا - وذلك بعدما استغل قادة شعبويون «خوف» قطاعات واسعة من الناخبين... ليس فقط على مصالحهم بل على وجودهم أيضاً.
ما حرّكه دونالد ترمب قبل انتخابه رئيساً لأميركا، ثم بعد خسارته الرئاسة، كان «الخوف».
«خوف» الأميركي الجرماني والسلافي والكلتي المسيحي الأبيض من «تسونامي» عرقي أسود وأسمر وأصفر - وأحيانا غير مسيحي - استوجب رفع شعار «إعادة عظمة أميركا من جديد»... وبناء «جدار فصل» عن خزان بشري «غريب» يمتد على طول الحدود مع المكسيك.
مع الظاهرة الترمبية اقتنع قطاع كبير من الأميركيين بأن أمنهم أهم بكثير من نظام ديمقراطي يعطي الغالبية - وبالتالي، السلطة - لغير الأوروبيين البيض المسيحيين. ولهذا، أيّد ملايين «الترمبيين» مهاجمة مبنى «الكابيتول»، رمز الديمقراطية، رفضاً لنتائج انتخابات حرة اعتمدت فيها أرقى أنظمة التصويت، وفي بلاد فيدرالية السلطة يحكم غالبية ولاياتها الخمسين حزب ترمب... الحزب الجمهوري.
وهكذا، تبيّن أن «الخوف» في «أميركا ترمب» كان ولا يزال أقوى بكثير من «الديمقراطية» المثالية التي أرسى دعائمها مؤسسو أحد أنجح نماذج الحكم التعددي الاتحادي في العالم.
في المقابل، بعيداً تماماً عن الخلفية «اللاديمقراطية» للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، نجد «الخوف» أيضاً في صميم الحرب المستعرة حالياً على أرض أوكرانيا.
الذاكرة الروسية التاريخية قوية جداً. إنها ذاكرة حية عصيّة على تغيّرات الرقعة الجغرافية، وتعدّد المكوّنات الداخلية والأعداء الخارجيين، وتتابع أنظمة الحكم المتناقضة التي تولت السلطة في الكرملين... حيث لم تجرّب «الديمقراطية» الحقيقية إطلاقاً في يوم من الأيام.
أصلاً الشخصية الروسية - ومن ثَم السلطة التي أنتجتها هذه الشخصية - لم تهضم «الديمقراطية» - وفق تعريفها الغربي - ولا جرّبتها. بل انتقل الحكم من مشاعية عشائرية قاسية، إلى «قياصرة» القصور، ثم «قوميسارات» البلاشفة... وصولاً إلى «أبارتشيكيي» و«مافيويي» ما بعد البلشفية. بيد أنه بقدر ما كانت «الديمقراطية» غائبة كان «الخوف» حاضراً، وإن داخَله في فترات متباعدة عُنصرا الطمع والثأر.
وراهناً، يخطئ جداً مَن يظن أن جيل بوتين، ابن مدرسة «الكي جي بي»، وتلميذ مفاهيم «صراع الشرق والغرب»، وصاحب هواجس «روسيا المحاصرة»، يقاتل في أوكرانيا من مُنطلَق محض إمبريالي توسّعي.
صحيح، أن هذا ما يبدو الغرب مقتنعاً به، لكن بوتين وغلاة القوميين الروس معه، يعتبرون أن الاحتفاظ بأوكرانيا وبيلاروسيا يضمن الإبقاء على «خط دفاع سلافي» متقدّم يحمي قلب روسيا، ويحول دون تكرار تجربتي نابليون بونابرت وأدولف هتلر وأحلام حلف شمال الأطلسي «ناتو».
في عزّ «الحرب الباردة» لم تجد موسكو أي حاجة «دفاعية» لغزو يوغوسلافيا ثم رومانيا، رغم ابتعاد جوزيف بروز تيتو ونيكولاي تشاوسيسكو عن «مظلتها». إلا أنها تحرّكت بالقوة وبسرعة ضد المجر عام 1956، وتشيكوسلوفاكيا عام 1968، ثم بولندا في أواخر أيام الاتحاد السوفياتي. وكان السبب الأبرز أن غالبية السكان في يوغوسلافيا ورومانيا أرثوذكسية «مشرقية المرجعية»، ومن ثم، لا ولاء فيهما لـ«مرجعية غربية» (مع أن تيتو كاثوليكي كرواتي). ولكن في المقابل، كانت تخشى كثيراً سقوط المجر وتشيكوسلوفاكيا وبولندا، بغالبياتها الكاثوليكية... وارتماءها في أحضان الغرب.
وبالفعل، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي و«حلف وارسو»، ضُمَّت الدول الكاثوليكية - الشيوعية سابقاً - بسرعة إلى الاتحاد الأوروبي بعكس الدول الأرثوذكسية.
حتى في الهند، حيث يشكل الهندوس غالبية ضخمة، يتخوّف القوميون والطائفيون الهندوس المتشدّدون، مثل رئيس الحكومة الحالي ناريندرا مودي، من «عدوّين» يعتبرونهما خطيرين:
العدو الأول - عند هؤلاء - المسلمون داخل الهند الحالية وفي كل من باكستان وبنغلاديش المتاخمتين للهند من الغرب والشرق. وللعلم، يشكل مسلمو كيانات شبه القارة الهندية اليوم نحو 600 مليون نسمة مقابل 900 مليون هندوسي، ولكن الجانبين يملكان قدرات عسكرية نووية مدمّرة.
والثاني، هو الصين العملاق الآخر الكبير الذي بينه وبين الهند نزاع حدودي مزمن. والصين أيضاً قوة نووية جبارة.
«الخوف» كان موجوداً أيضاً في تصويت البريطانيين شبه الانتحاري لصالح مغادرة الاتحاد الأوروبي خوفاً من اليد العاملة الأوروبية الشرقية، وكذلك في تحول عنصريي فرنسا إلى رقم صعب ومقبول في الحياة السياسية الفرنسية عبر صناديق الاقتراع «تخوفاً» من تزايد مهاجري ولاجئي عبر المتوسط، ثم إنه أسهم أيضاً عبر صناديق الاقتراع ولعبة الديمقراطية في عودة ورثة الفاشية الموسولينية إلى الحكم في إيطاليا.
الشيء نفسه ينطبق علينا نحن العرب «المتخوفين» من عداء «جيران»، كل منهم يهددنا بأسلوبه وتبعاً لمخططه، ويقذف بنا كل منهم نحو الآخر... فنرضى طلباً للحماية. فالمتخوّف من توسعية الليكوديين يتوقّع الحماية من ملالي إيران والعكس صحيح، ومَن يخشى من الجانبين يُهرول نحو «ملاذ آمن» مأمول تحت خيمة رجب طيب إردوغان...
هذا للأسف واقع العالم، حيث يسود منطقا «الغاية تبرر الواسطة» و«إذا كان عليّ أن أختار بين أن أكون النعجة أو الجزّار فلن أتردد في أن أكون الجزار!!».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الخوف سبب ثلاثة أرباع آفات السياسة الخوف سبب ثلاثة أرباع آفات السياسة



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 21:17 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

نتنياهو يصادق على "عمليات إضافية" في الضفة الغربية
  مصر اليوم - نتنياهو يصادق على عمليات إضافية في الضفة الغربية

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 19:23 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً
  مصر اليوم - خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 22:20 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 18:23 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

مصر تتسلم مليار يورو تمويلا جديدا من الاتحاد الأوروبي

GMT 22:36 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الأمير الحسين يشارك لحظات عفوية مع ابنته الأميرة إيمان

GMT 13:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 11:40 2024 الثلاثاء ,13 آب / أغسطس

نباتات ذات روائح مميزة يمكن زراعتها بالمنزل

GMT 08:12 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

السلطات السورية تفرج عن صحفي أردني بعد 5 أعوام من اعتقاله

GMT 17:48 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق مفضلة لتنظيف غرفة النوم وتنظيمها

GMT 07:30 2015 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

محمد عادل لاعب "الاتحاد" يتعرض لإصابة في القدم

GMT 23:07 2016 الأحد ,14 آب / أغسطس

طريقة عمل الملبن بالمكسرات

GMT 23:13 2017 الجمعة ,13 تشرين الأول / أكتوبر

مدينة الرقة السورية باتت خالية من داعش بشكل كامل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon