توقيت القاهرة المحلي 08:32:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لبنان والمنطقة ضحيتا الاسترضاء الكبير

  مصر اليوم -

لبنان والمنطقة ضحيتا الاسترضاء الكبير

بقلم: إياد أبو شقرا

قد لا يكون غريباً أن يقامر «الكبار» بمصائر «الصغار»، ولا سيما إذا كان هؤلاء من السذاجة إلى حد تنطلي عليهم الأكاذيب الواحدة تلو الأخرى.
مثل هذه الأمور حدثت تكراراً على مرّ التاريخ، وكانت الصفقات تُعقد كل مرة على حساب قليلي الحيلة، عندما يكتشف الأقوياء أن المصلحة تقضي برسم حدود وتحديد سقوف للمواجهة. وما يحدث في لبنان راهناً نموذج ناطق لتعاطي القوى الكبرى مع أزمة تصرّ على اعتبارها «مسألة محلية» يُمكن معالجتها بالمسكّنات والمناشدات والاسترضاء والوساطات.
صحيح أن الأزمة الأخيرة بين لبنان والدول الخليجية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، تفجّرت بعد تصريح لوزير في حكومة صُوّرت على أنها «حكومة إنقاذ» لبلد يرزح تحت مصاعب معيشية وصحية وأمنية وسياسية.
بل، وصحيح أيضاً أن الوزير المذكور «أتحف» اللبنانيين والعرب بتصريحه الكارثي قبل بضعة أسابيع من تكريمه بالتعيين. لكن الحقيقة أن المأساة أكبر بكثير، وأعمق بكثير، من موقف شخصي لـ«وزير مصادفة ومحاصصة» في نظام سياسي هشّ... بالكاد يستحق اليوم مسمّى «نظام».
من الأوجه المأساوية لهذه الحقيقة ما يلي:
- إن جورج قرداحي، الوزير المُتسبب في الأزمة الأخيرة، لو كان في أي بلد طبيعي لكان سيستقيل فوراً ومن تلقاء نفسه بعد كلامه المسيء بحق دول صديقة؛ فكيف إذا كانت الدول شقيقة؟
- إن الحكومة نفسها، وعلى رأسها رئيسها نجيب ميقاتي، كانت ستطالبه بالاستقالة، لا سيما أن كلامه لا يُعبِّر عن مواقف عدد لا بأس به من الوزراء، وبالتالي فهو ينتهك مبدأ التضامن الحكومي.
- إن الرئيس ميقاتي كان يعرف سلفاً مواقف قرداحي والقوى الداعمة له، ومع ذلك وافق على ضمه إلى فريقه الوزاري. بل، وجعله عملياً الناطق الرسمي باسم الحكومة، بحكم منصبه وزيراً للإعلام.
- إن تصعيد الوزير ورفضه الاستقالة، «مُشترطاً» حتى على البطريرك الماروني بشارة الراعي ضمانات بأن تلغي الدول الخليجية تدابيرها قبل استقالته... ظاهرة غير مسبوقة في الحياة السياسية اللبنانية.
- في الساحة المسيحية المارونية، التي ينتمي إليها الوزير قرداحي، تفاوتت المواقف بين الدفاع الصريح من الوزير السابق سليمان فرنجية الذي اعتبر الوزير من حصته في الحكومة الحالية، والدفاع الخجول من التيار العوني - التابع لرئيس الجمهورية... الذي يُعد الوزير قريباً منه أيضاً. وفي المقابل، الانتقاد القوي من القوى المسيحية المناوئة لعون وداعميه الكبيرين داخل لبنان وخارجه، أي «حزب الله» ورئيس النظام السوري بشار الأسد.
- موقف «حزب الله» من الوزير قرداحي جاء لافتاً جداً ومباشراً؛ فهذا الحزب الذي تحوّل خلال السنوات الأخيرة من «حالة هيمنة» إلى «سلطة احتلال»، رفض صراحة أي بحث في الاستقالة، وأوكل لإعلامه الرسمي - وغير الرسمي - مهمة الدفاع عنه وتحصين عناده... كيف لا، و«حزب الله» - ميليشيا إيران الأولى في المنطقة العربية - هو المنافح الشرس عن الحوثيين ومنصتهم الدعائية وترسانتهم التسليحية ومؤسستهم التدريبية.
- تبني «حزب الله» الكامل لمواقف الوزير، المقرّب أيضاً من رئيس النظام السوري، عطفاً على البُعد اليمني الحوثي للقضية برمّتها، يعنيان أننا بصدد التعامل مع المربّع الأول للمخطّط الإيراني المتوسّع في المنطقة. غير أن المستغرب هو أنه في حين أن إيران تتباهى بهذا المخطّط وتفاصيله، تواصل العواصم الغربية إقناع نفسها بفضائل تجاهله وتجاهل تداعياته، مهما كان الثمن الذي تدفعه المنطقة من خسائر بشرية واقتصادية وتنموية.
الحقيقة أنه عندما تواصل إحدى العواصم الأوروبية الكبرى رفضها استقالة الحكومة اللبنانية، بحجّة الحرص على الاستقرار، فإنها لا تتجاهل فقط أزمة الاحتقان الطائفي المتصاعد الذي يتسبب فيه فائض القوة الناجم عن احتكار السلاح... بل تتجاهل أيضاً هيبة القضاء واستقلاليته، ومستقبل التعليم، ومصير الشباب اليائس من البقاء في بلد سُدّت فيه كل سبل العيش الكريم.
وماذا عن واشنطن؟ ألم يكن - علناً على الأقل - من بنات أفكار السفيرة دوروثي شاي (سفيرة الولايات المتحدة لدى لبنان) إمداد لبنان بالغاز عبر أراضي سوريا؟ أوليس هذا ترخيصاً غير رسمي لبدء «تطبيع» متدرّج مع نظام الأسد؟ بل ألم تأتِ هذه الفكرة بينما يشدّد «حزب الله» قبضته الاحتلالية أكثر فأكثر، وتعود أصابع أجهزة أمن الأسد إلى مناطق عدة من الأراضي اللبنانية؟
إن أحداً في لبنان أو المنطقة العربية لا يطالب الدول الغربية بشن حرب لا تبقي ولا تذر على إيران. فأهل المنطقة خبِروا جيداً مخاطر الأحقاد التاريخية والثارات الكامنة ولا يطلبون المزيد منها. إلا أنهم، في المقابل، يريدون إشارات جدية ومواقف مسؤولة تنهي حالة الاسترضاء التي أفضت إلى عنجهية عدوانية خطرة، زرعت التطرف والتطرف المُضاد على كل خطوط المواجهة التي رسمتها القيادة الإيرانية مع عالمنا العربي.
خلاصة القول إنه لا يمكن قيام تعايش شامل ودائم مع التوسع والعدوان والإذلال. وهذه حقيقة أخذت تعيها حتى إسرائيل بعد أكثر من 70 سنة من الهروب المستمر إلى الأمام.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان والمنطقة ضحيتا الاسترضاء الكبير لبنان والمنطقة ضحيتا الاسترضاء الكبير



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 21:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
  مصر اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon