توقيت القاهرة المحلي 13:08:31 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«رئيسي ـ ماكرون»... أو النسخة الجديدة من «سايكس ـ بيكو»

  مصر اليوم -

«رئيسي ـ ماكرون» أو النسخة الجديدة من «سايكس ـ بيكو»

بقلم: إياد أبو شقرا

مجازاً، يمكن القول إن قلة من القوى الدولية والإقليمية لم تسهم في تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة. لكن الواقع أن هذه الحكومة، أو بالأصح «التشكيلة الوزارية»، لا تحكم بقدر ما تدير أزمة مُستحكمة بات حلّها جزءاً لا يتجزأ من الصيغة الإقليمية الكبرى الجاري إعدادها للشرق الأوسط في ظل متغيرات كبرى.
هنا قد يقول قائل: لمَ الإفراط في التعقيد والتشاؤم بعد الخروج من نفق مظلم مضى على دخول لبنان فيه أكثر من سنة؟ تفاءلوا بالخير تجدوه.
وقد يقول آخر في براغماتية تدعي الحكمة إن إنارة شمعة خير من لعن الظلمة. ويكفي أن هذه الخطوة ستخفف من معاناة المواطنين المنكوبين بساستهم، وتبطئ نزف الهجرة، وتلجم جزئياً انهيار الاقتصاد والسقوط الحر لنظام سياسي سيئ معيب.
وقد ينبري ثالث ليجادل بأن العالم بأسره يمرّ بأزمات بنيوية فاقمتها الأوبئة وآفات التغير المناخي، وتهديدات التطور التكنولوجي السريع لأنماط العمالة التقليدية، واهتزاز مفهوم «الدولة الأمة» مع تصاعد العنصرية كرد فعل ضد العولمة والهجرة واللجوء وحرية التنقل، ناهيك من صعود قوى عالمية جديدة ذات ثقافات سياسية مختلفة على المسرح الدولي منافسة الولايات المتحدة وأوروبا الغربية.
كل الذي تقدّم صحيح. ولكن صحيح أيضاً أن القراءة الواقعية لتتابع الأحداث تنجي من مزالق التفاؤل الحالم والجهل المطمْئن. وعليه، لا ضير من ربط الأمور بميزان التجارب والخبرات، والتعامل معها... كما هي على الأرض، لا كما نتمنى ونرجو.
بدايةً، ما عاد سراً أن النظام الإقليمي الذي رسم حدود منطقتنا خلال القرن الماضي انتهى إلى غير رجعة. وهو ما يعني أن على المراقب مقاربة المستجدات بعيداً عن العواطف والمثاليات.
مفهوم العروبة الذي ألِفناه تبدّل وتبلور مراراً عبر العقود... من هويّة لا تحتاج عند العامة لمَن يفلسف تعريفها إلى عقيدة قومية مناوئة لقومية «تركية - طورانية» جديدة نشأت في دولة الخلافة العثمانية على أنقاض الهوية الإسلامية الجامعة.
العرب - المسلمون السنّة منهم على الأقل - ارتضوا الحُكم العثماني في ظل «خليفة» غير عربي طالما كان حكماً يساوي بين الشعوب المسلمة، إلا أن الأمر اختلف في القرن الـ19 مع حركات النهوض القومي في أوروبا والدولة العثمانية. وبوجه «التتريك» الفوقي للدولة كان متوقعاً ظهور رد فعل ذي طبيعة مشابهة لكن في اتجاه معاكس. ثم تسارع زخم رد الفعل هذا مع رعاية الدول الأوروبية البديل القومي العربي... لا حباً بالعرب بل لحاجتها أساساً لإضعاف الغريم العثماني.
وبالفعل، بعد انهيار الدولة العثمانية إثر هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، رفضت القوى الأوروبية المنتصرة التعامل مع العرب كـ«أمة واحدة» ذات مصلحة واحدة، بل قسّمت المنطقة إلى مناطق نفوذ. وقد تكون المسميات والأساليب... وحتى بعض الظروف والأوليات والتحالفات قد تغيّرت اليوم، لكن عنصر «المصلحة» في السياسة يبقى الثابت الوحيد.
بعد الحرب العالمية الأولى، كما نتذكر، كان الأساسان اللذان حدّدا الهويات الجديدة للولايات والمناطق العثمانية السابقة «اتفاقية سايكس – بيكو» و«إعلان بلفور». ولاحقاً، تتابعت المفاصل بما فيها فصل السودان عن مصر، وترسيم الحدود في شبه الجزيرة العربية، ثم نهاية الانتدابين البريطاني والفرنسي في المنطقة إبان وبعد الحرب العالمية الثانية. أما اليوم، فعلينا الإقرار بواقع جديد، قد يكون مؤلماً لكثيرين لكنه حقيقي، هو أن عدداً من كياناتنا تغيّرت سياسياً وديموغرافياً وثقافياً واقتصادياً.
بعض هذه الكيانات، كانت قبل تأسيسها «مراكز ثقل» إقليمية، حتى إن لم تكن «دولاً» قائمة بذاتها بحدود متفق عليها وهوية جامعة لمعظم سكانها. أما البعض الآخر فوُلد لاعتبارات استراتيجية وتوازنات ومساومات آنية. والغريب أننا بتنا راهناً لا نميّز بين هاتين الفئتين في ظل حالة التقسيم الواقعي وانهيار الهويات الجامعة.
ثم إننا، كنّا كعرب قد رفضنا لعقود وبعناد يدعو إلى الإعجاب حدود «سايكس - بيكو» و«حدود إعلان بلفور». وأيضاً عبر العقود قامت زعامات وأسّست أحزاب وأطلقت شعارات وفجّرت حروبا بحجة إسقاط هذه الحدود «التقسيمية»، غير أننا - كما يكرّر بعضنا - تدهورنا من أزمة «التقسيم» إلى جحيم «التفتيت». بل والمفارقة الأفظع، أن هذه الحدود التي فشلنا في إسقاطها... يزيلها الآن خصومنا الإقليميون، لأن أطماعهم وطموحاتهم وتعاطف القوى الكبرى معهم، أقوى بكثير من ضعفنا وانقسامنا وسوء تخطيطنا ومحدودية فهمنا لـ«لعبة الأمم» المحيطة بنا.
العراق اليوم، بعد 2003، صار «عراقاً آخر» تحكمه اعتبارات سياسية وديموغرافية وآيديولوجية مختلفة. وهو مع تأهب القوات الأميركية لمغادرته على أبواب مرحلة جديدة من بناء دولة مجزوءة الاستقلال والوحدة في ظل توسّع إيراني أمني وتنظيمي متغلغل في مفاصل الدولة العراقية بالعمق. والواضح أن هذا التوسّع، الذي ما عاد يقتصر على العراق المتاخم لإيران، بل تجاوزه إلى سوريا ولبنان وبعض فلسطين... يحظى بـ«حُسن نية» من قوى أوروبية ما عادت ترى في طهران إلا شريكاً اقتصادياً وأمنياً مفيداً.
أما سوريا، فهي اليوم مسرح أكثر تلوّناً في حسابات مناطق النفوذ وتقاطعات المصالح. وهنا وسط التشقّق السوري الداخلي يتعايش الطموح الإيراني مع الأطماع الروسية بصورة لافتة، مع إقرار «المُتعايشين» بمصالح أخرى ذات أبعاد جيو - سياسية أميركية وإسرائيلية وتركية. ومن تجلّيات هذه الحالات من التعايش على حساب الكيان السوري - وطبعاً الشعب السوري - «الممرّات» و«مناطق النفوذ» المتفاهم عليها علناً أو سراً.
وأخيراً لبنان.
في لبنان كشفت التقارير خلال اليومين الأخيرين أن اتصالات إقليمية ودولية نجحت في «تذليل العقبات» المزعومة التي حالت دون تشكيل حكومة تخلف حكومة حسان دياب المستقيلة في أغسطس (آب) 2020، ومن استعراض أسماء الجهات الأجنبية التي ساهمت بصورة مباشرة أو غير مباشرة في حل الأزمة المتطاولة... يخرج المحلّل باقتناع أننا أمام صفقة إقليمية لها ما لها وعليها ما عليها، ولا علاقة للبنانيين بتفاصيل بنودها وشروطها.
ثم إنه من دون تعنت أو تشكيك، يثبت «التفاهم» على التشكيلة الوزارية الجديدة، أن لبنان أضحى تحت وصاية إيرانية – فرنسية، بموافقة أميركية - إسرائيلية – روسية، بانتظار تفاصيل الصفقة النووية مع إيران، وبضمنها التفاهم على سقف نفوذ إيران الإقليمي على امتداد الشرق الأوسط.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«رئيسي ـ ماكرون» أو النسخة الجديدة من «سايكس ـ بيكو» «رئيسي ـ ماكرون» أو النسخة الجديدة من «سايكس ـ بيكو»



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 21:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
  مصر اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon