توقيت القاهرة المحلي 23:28:02 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل من دروس مستفادة بعد الكارثة الزلزالية التركية ـ السورية؟

  مصر اليوم -

هل من دروس مستفادة بعد الكارثة الزلزالية التركية ـ السورية

بقلم - إياد أبو شقرا

أردّد بيني وبين نفسي على الدوام بيتَي الشعرِ الفلسفي المختلف على نسبتهما:
دواؤك فيكَ ومَا تبصرُ
وداؤك منكَ ومَا تشعرُ
أتزعم أنك جرمٌ صغيرٌ
وفيك انطوىَ العالم الأكبر؟
هذا كلام عميق حقاً عندما نتبصّر في الوجود. في ذلك الفضاء اللامحدود من حولنا، ثم مع خلجة قلب أو شعور بألم... ننكفئ على ذاتنا فنشعر كم نحن ضعفاء قليلو الحيلة. الإنسان، ذلك المخلوق الموصوف بالعاقل ينجز كل سنة ابتكارات ما كانت في البال، بل يُقال إن ما تستنبطه البشرية مع كل عقد من الزمن يفوق كل ما استُنبط في القرون السابقة. ولكن، في المقابل، نراه نفسه يقف عاجزاً أمام فيروس غامض، أو انقسام خلوي عشوائي، أو جلطة دموية تسدّ شرياناً حيوياً في قلبه أو دماغه فيموت أو يُصاب بالشلل.
كل واحد منا، مهما علا شأنه، يظلّ خلية متناهية في الصغر مقارنةً بالعالم الوسيع والوجود الأوسع. ولكن، في الوقت عينه، أجسادنا المهدّدة دوماً بالعجز والفناء هي أيضاً فضاءات لا تُحد لمليارات الخلايا والجُزيئات التي تتشكّل منها أو تتموضع فيها.
هذه الأفكار ساورتني أمام فجيعة الزلزال الكارثي في جنوب تركيا وشمال غرب سوريا. وهو، وإن لم يفاجئ مَن يعرفون تاريخ المنطقة الجيولوجي وتجاربها مع الهزات الأرضية الكبرى، أكّدت المؤكد صوره المأساوية المنقولة عبر وسائل الإعلام والتواصل ساعةً بساعة، بل لحظةً بلحظة.
لقد أكد الزلزال ضعف الإنسان أمام جبروت الطبيعة، وعجزه عن استنفار قدراته في وجه القدر. لكنَّه أبرز أيضاً تفاني أناس أبطال اضطلعوا بمهام الإنقاذ والإسعاف والمعالجة في ظروف استثنائية بالغة القسوة. هؤلاء يستحقون الإكبار والإعجاب، ولا سيَّما، الذين لم ييأسوا أو يفقدوا الأمل مع مرور الساعات ثقيلةً أمام ركام أبنية لم تقوَ على الصمود كان يتلاشى معه أنين المنكوبين ونحيب المكلومين. وبالتالي، فما أنجزته فرق الإنقاذ والإسعاف بعملها المضني لسحب أحياء من ركام الأبنية المدمّرة، حتى بعد 6 أيام من وقوع الكارثة، يسجّل لها بفخر حقاً.
من ناحية أخرى، يعد زلزال تركيا وسوريا الأخير، البالغة قوته نحو 7.8 على مقياس ريختر، من أقوى الزلازل في تاريخ العالم الحديث، وحتماً في تاريخ المنطقة لقرون. وعلينا تذكر حقيقتين مهمتين في هذا السياق:
الأولى، أن نسبة عالية جداً من الضحايا سقطت في انهيار ابنية إسمنتية متعدّدة الطبقات، وبالتالي تعيش فيها العديد من العائلات، بعكس حال الزلازل التي تقع في مناطق ريفية بيوتها طينية أو خشبية صغيرة الحجم، ما يقلل حجم الخسائر وصعوبة انتشال المصابين العالقين.
والثانية، أنَّ الزلزال وقع في منطقة تحوي تقاطع فوالق وصدوع انهدامية بين «الأنشط زلزالياً» في العالم. وما يعرفه العلماء عنها، ويرصدونه على الدوام، حركة الصفائح الأرضية والفوالق الخطرة التي شهدت عشرات الزلازل الكبرى على امتداد الشرق الأوسط، من إيران (وفيها جنوب شرق الصفيحة الأوراسية) شرقاً، إلى تركيا (حيث صفيحة الأناضول) واليونان غرباً... وامتداداً إلى إيطاليا حيث تتلاقى الزلازل والبراكين، ومن ثم، نجد شمال الصفيحة الأفريقية، وفيه تونس والجزائر والمغرب.
الحقيقة أن منطقة شرق المتوسط العربية (سوريا ولبنان وفلسطين) أرض احتكاك (أو تصادم) الصفيحتين العربية والأفريقية. وتمر عبرها «الحفرة الانهدامية الكبرى» الممتدة من شمال غرب سوريا، حيث منخفض الغاب، فسهل البقاع اللبناني، ثم غور الأردن والبحر الميت، فخليج العقبة ومنه البحر الأحمر، وصولاً إلى مثلث منخفض الدناقل (جنوب شرق إريتريا وشرق إثيوبيا وغرب الصومال). ومن هناك تتفرع «الحفرة» (أو الصدع) إلى فرعين في الهضبة الإثيوبية، أحدهما يتجه جنوباً، والثاني نحو الجنوب الغربي فالجنوب، ليُنتج عدداً من البحيرات (أكبرها تنجانيقا ونياسا)... وأيضاً الجبال الشاهقة في غرب كينيا وتنزانيا وشرق الكونغو، التي عليها تربض دولتا رواندا وبوروندي.
هذا هو الواقع الجيولوجي والزلزالي للمنطقة. وهو يفرض علينا، كما فرض من قبلنا على اليابانيين والإيرانيين وسكان ولاية كاليفورنيا الأميركية وغيرهم... التأقلم مع الزلازل علمياً ونفسياً ومعمارياً.
شخصياً ما زلت أذكر جيداً زلزال 16 مارس (آذار) 1956 في لبنان. يومذاك كنت طفلاً في السادسة من عمري، وتقيم العائلة في شقتنا بضواحي بيروت الجنوبية. وكانت البناية ذات الطوابق الأربعة حيث نقيم الأكبر والأعلى في المنطقة.
يومذاك كانت الضواحي الجنوبية لبيروت مجموعة من القرى الصغيرة التي تفصل بينها البساتين والحقول. وعندما ضرب الزلزال ودبَّ الهلع في البناية والشارع... ركضْنا إلى أقرب بستان عبر الشارع. ولكن، ما إن اطمأننا على أنفسنا سمعنا أن البؤرة الزلزالية كانت مسقط رأسي منطقة الشوف. وهكذا قلقنا لساعات قبل أن نعرف عبر الأقارب أن بلدتي نجت من الأسوأ، في حين سقط قتلى ومصابون كثر في الشوف، منهم قتلى في قريتين مجاورتين لبلدتي.
في أي حال، شهدت منطقة الشوف - بل معظم الجزء الجنوبي من جبل لبنان - تصدّعات واسعة للأبنية، واستمرت لعدة سنوات ورش بناء وترميم حملت تغيّراً كاملاً في ثقافة المعمار، بعضها - لسوء الحظ - لم يكن للأفضل؛ إذ زحف الإسمنت المسلح على القرى والبلدات، وتقلَّص عدد الأسقف القرميدية الحمراء الجميلة، وطويت صفحة الجدران السميكة العازلة باستخدام الطين (الكلّين)، وكذلك اختفت السقوف الطينية العازلة أيضاً والمحمولة على الجذوع الشجرية والأخشاب.
راهناً، وسط الخوف المفهوم من وقوع الزلازل، أعتقد أنه لا مفر من اعتماد أولويات معمارية ومقاربات علمية جديدة لبناء المدن في بيئات تتقلص فيها رقعة الأرياف لصالح النمو المدني. فالنمو المدني غدا أمراً محسوماً لا عودة عنه. ولذا، لا خيار أمام ساستنا غير الاستفادة من الخبرات التخصصية في «الدول الزلزالية» التي نجحت، بفضل الأنظمة والضوابط والتقنيات الحديثة والمستقبلية، في تقليص خطر كوارث الزلازل.
وهنا أختم بتذكّر هزة كبيرة حدثت في العاصمة اليابانية طوكيو، حيث كنت أتناول العشاء في أحد الطوابق العليا من فندقي مع مجموعة من الأصدقاء اليابانيين.
الهزّة جاءت قوية بعض الشيء، لكن ما فاجأني كان قلة اكتراث أصدقائي. ولما سألت أحدهم عن المكان الذي يظنُّ أنَّه بؤرة الهزة، أجاب باسماً: «ليس بعيداً... لعلَّه هنا في خليج طوكيو»... وعاد إلى الأكل.
حبذا لو نتعلَّم منهم، بدلاً من تبادل اللوم والترويج للأضاليل والذعر.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل من دروس مستفادة بعد الكارثة الزلزالية التركية ـ السورية هل من دروس مستفادة بعد الكارثة الزلزالية التركية ـ السورية



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 21:17 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

نتنياهو يصادق على "عمليات إضافية" في الضفة الغربية
  مصر اليوم - نتنياهو يصادق على عمليات إضافية في الضفة الغربية

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 19:23 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً
  مصر اليوم - خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 22:20 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 18:23 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

مصر تتسلم مليار يورو تمويلا جديدا من الاتحاد الأوروبي

GMT 22:36 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الأمير الحسين يشارك لحظات عفوية مع ابنته الأميرة إيمان

GMT 13:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 11:40 2024 الثلاثاء ,13 آب / أغسطس

نباتات ذات روائح مميزة يمكن زراعتها بالمنزل

GMT 08:12 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

السلطات السورية تفرج عن صحفي أردني بعد 5 أعوام من اعتقاله

GMT 17:48 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق مفضلة لتنظيف غرفة النوم وتنظيمها

GMT 07:30 2015 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

محمد عادل لاعب "الاتحاد" يتعرض لإصابة في القدم

GMT 23:07 2016 الأحد ,14 آب / أغسطس

طريقة عمل الملبن بالمكسرات

GMT 23:13 2017 الجمعة ,13 تشرين الأول / أكتوبر

مدينة الرقة السورية باتت خالية من داعش بشكل كامل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon