توقيت القاهرة المحلي 22:48:51 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التعايش وقبول الآخر همٌ مشترك... من أميركا إلى لبنان

  مصر اليوم -

التعايش وقبول الآخر همٌ مشترك من أميركا إلى لبنان

بقلم:إياد أبو شقرا

جميلة جداً الكلمة التي ألقتها رئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا آردرن، بعد قيادتها حزب العمال النيوزيلندي الحاكم، أمس، إلى انتصار ساحق في الانتخابات العامة، يكفل لها فترة حكم ثانية بغالبية مطلقة مريحة. جاءت هذه الكلمة نموذجاً للتعقل والأخلاق حبذا لو يصار إلى تصديره لبلدان العالم قاطبة... كبيرها وصغيرها.
آردرن (40 سنة)، قادت نيوزيلندا خلال السنوات القليلة الفائتة عبر اختبارين صعبين؛ هما مجزرة مسجد مدينة كرايستشيرتش في مارس (آذار) 2019، وجائحة «كوفيد - 19». وبفضل مزيج من الحزم والعطف نجحت في لجم الفتنة، وطمأنة الناس، وضرب التطرف وحفظ الأمن في بلد غالبية سكانه من المهاجرين. ثم كرّرت نجاحها مع الجائحة جاعلة من بلدها الصغير الأكثر نجاعة في العالم على صعيد احتواء الفيروس القاتل.
قالت الزعيمة الشابة محتفلة بالنصر: «إننا نعيش اليوم في زمن أكثر استقطاباً من أي وقت مضى، وعالم فقد فيه الناس القدرة على رؤية وجهات نظر الآخرين. أملي أن تكون هذه الانتخابات قد بيّنت أننا في نيوزيلندا لسنا من هؤلاء، بل بيّنت حقيقة أننا كأمة قادرون على الإصغاء وتبادل الرأي.
وفي النهاية، نحن أمة أصغر من أن نتغافل عن منظور الآخرين. وصحيح أن الانتخابات ليست دائماً وسيلة لجمع الناس، لكن لا يجوز أن تكون وسيلة للتفرقة والنزاع».
رسالة التسامح المتواضعة هذه لا يختلف جوهرها كثيراً عن قول الإمام الشافعي: «رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب». ثم إنها صيغت بجمل بسيطة وبروح إيجابية نبيلة تشجع على التقارب والتفاهم بدلاً من التحريض على التناحر والتعالي والتهميش والإلغاء، وأحياناً التخوين. غير أنها، للأسف، تبدو استثناءً في عالمنا اليوم. إذ ما عدنا نراها مطلقاً في دول تتباهى بأنها ديمقراطيات تمارس الانتخابات وتدعي احترام الحريات العامة، بدءاً بقوى عملاقة كالولايات المتحدة والهند... ووصولاً إلى دولة صغيرة فاشلة كلبنان تتحكّم بها «دويلة ميليشياوية»، ومروراً بقوى إقليمية تعبث بمصير منطقتنا كإيران وتركيا وإسرائيل.
لقد مرّت على الولايات المتحدة أشهر صعبة، تلاشت فيها تقريباً القدرة على تغليب منطق المؤسسات، واحترام تنظيم الاختلاف، في خضم تداعيات «كوفيد - 19» الاقتصادية والسياسية. والمرجح أننا، وسط العد العكسي ليوم الانتخابات الرئاسية والتشريعية 3 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، سنشهد مزيداً من الاحتقان والتأجيج، بمواكبة تثبيت تعيين القاضية المحافظة آيمي كوني باريت في المحكمة العليا.
وفي مكان آخر، قد يكون بعيداً عن معادلات الولايات المتحدة وحجمها، لكنه قريب جداً من مصالحها، مرّت أمس سنة كاملة على الانتفاضة الشعبية اللبنانية. ولكن بعد سنة من ذلك المفصل، تبدو هذه الانتفاضة شبه ضائعة تنظيمياً، ولبنان نفسه أسوأ حالاً في ظل أمر واقع تحاشت الانتفاضة، عن قصد أو من دون قصد، أن تواجهه مباشرة.
بالنسبة للولايات المتحدة، أزعم أن الوضع مفتوح على كل الاحتمالات، ليس فقط في ظل مؤشرات استطلاع الرأي، بل في المزاج العام القلق والاستقطابي بصورة غير مسبوقة. وشخصياً، لا أذكر معركة انتخابية كان التناقض فيها بالحدة التي نراها اليوم بين المرشحَين الجمهوري والديمقراطي.
أنا أتذكر جيداً معركتين رئاسيتين بين نقيضين «شبه آيديولوجيين»؛ هما انتخابات 1964 بين الرئيس الديمقراطي ليندون جونسون ومنافسه السيناتور الجمهوري باري غولدووتر، وانتخابات 1972 بين الرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون ومنافسه السيناتور الديمقراطي جورج ماكغفرن.
المعركتان جرتا في أجواء دولية ذات صلة بحرب فيتنام، وانتهتا بفوزين كاسحين (بأكثر من 60 في المائة من الأصوات الشعبية) للمرشحين الأكثر اعتدالاً. فعام 1964، كان جونسون ديمقراطياً شبه محافظ بالمقارنة مع غولدووتر اليميني المتشدد حربياً وفكرياً. وعام 1972 كان نيكسون جمهورياً واقعياً وسطياً (بالمقارنة مع غريمه المتشدد رونالد ريغان في صفوف الجمهوريين)، وفي المقابل كان ماكغفرن ليبرالياً جامحاً وأحد «الحمائم» المعادين للحرب داخل الحزب الديمقراطي. وعليه، يمكن القول إن الناخب الأميركي مال في المرّتين إلى الواقعية والوسطية ضد الجموح يميناً ويساراً.
هذه المرة الوضع مختلف، ويستبعد المحللون - حتى اللحظة - اكتساحاً لأي من المرشحين؛ الرئيس الجمهوري دونالد ترمب ومنافسه الديمقراطي جو بايدن. والحال، أننا لو طبقنا منطق 1964 و1972 لرجحت كفة بايدن بفارق كبير، كونه الأقرب بين المرشحين إلى مواقع الوسط. أما السبب، فيرجع، باعتقادي إلى عاملين أساسيين: الأول، هو أن أميركا نفسها تغيّرت بفعل الديموغرافيا والعولمة والتكنولوجيا المتطورة (وبالأخص، صناعياً وإعلامياً). والثاني، أن ما كانت مُسلّمات مؤسساتية تحترمها الطبقة السياسة... تهتز الآن بشدة تحت ضغط الشعبوية الجامحة التي تمثلها ظاهرة ترمب ومفاهيم ستيف بانون. ولذا يرى كثيرون أن أميركا كما عرفناها، حتى قبل أربع سنوات، انتهت فعلياً بغض النظر عن نتيجة 3 نوفمبر.
لبنان أيضاً، مع احترام فارق الحجم والنفوذ، تهدده ديناميكيات بنيوية قد تضع كيانه الهش ونظامه الأكثر هشاشة في مهب الريح. ولقد تابعت أمس، مقابلة مع ضابط متقاعد ومحلل سياسي عاقل، على إحدى الفضائيات اللبنانية، علّق فيها على الانتفاضة، وكيف يمكن تقييمها... وكان، بالفعل، موفّقاً في تقييمه. كان محقاً عند الإشارة إلى العوامل التي أدت إلى تعثر الانتفاضة حتى الآن. وقال إن أبرزها كان محاربتها في «عراضات» طائفية تهديدية صريحة، وكذلك عبر جماعات مندسّة، وافتعال العنف... سواءً من جانب الأجهزة الأمنية أو أفراد من المنتفضين. كذلك تطرق إلى أخطاء في الممارسة والتسيير داخل الانتفاضة، وانتقد شعار «كلّن يعني كلّن» (كلهم يعني كلهم)، معتبراً أنه لا يصح ولا يفيد، بل يجب التمييز بين الفاسد والمتآمر والمقصّر. وهذا الكلام مصيب جداً.
والخلاصة، أن الانتفاضة اللبنانية قد تعمّدت النأي عن السياسة، أو التعميم في تناولها، تحاشياً لاستهداف قوة بعينها. لكن، ما أثبتته الأشهر الـ12 الأخيرة أن المؤامرة على مصير لبنان وهويته، وسط المشاريع الإقليمية، أكبر بكثير من المسائل المطلبية. إذ لا فساد خارج الحالة الأمنية، ولا استمرار لهذه الحالة الأمنية خارج نطاق المشاريع الإقليمية التي يتفاوض عليها «الكبار» من غير اللبنانيين. ومن ثم، بعد التفاهم ينصاع سلاح «الصغار» تمريراً للتفاهمات والصفقات... على جثة كيان جائع، ووطن من دون مواطنين، يفقد يومياً مبرّرات وجوده.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التعايش وقبول الآخر همٌ مشترك من أميركا إلى لبنان التعايش وقبول الآخر همٌ مشترك من أميركا إلى لبنان



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 19:23 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً
  مصر اليوم - خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 22:20 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 18:23 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

مصر تتسلم مليار يورو تمويلا جديدا من الاتحاد الأوروبي

GMT 22:36 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الأمير الحسين يشارك لحظات عفوية مع ابنته الأميرة إيمان

GMT 13:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 11:40 2024 الثلاثاء ,13 آب / أغسطس

نباتات ذات روائح مميزة يمكن زراعتها بالمنزل

GMT 08:12 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

السلطات السورية تفرج عن صحفي أردني بعد 5 أعوام من اعتقاله

GMT 17:48 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق مفضلة لتنظيف غرفة النوم وتنظيمها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon