توقيت القاهرة المحلي 01:16:15 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لبنان: الاستقلال للشعب... والاحتلال للسلطة!

  مصر اليوم -

لبنان الاستقلال للشعب والاحتلال للسلطة

بقلم : إياد أبو شقرا

كثرةٌ من اللبنانيين أسعدَهم، بالأمس، ما شاهدوه يوم ذكرى الاستقلال الـ76.
لم يفاجئهم الاحتفال الهزيل الذي نظَّمته بقايا سلطة لا يجمعُها مبدأٌ ولا تتفِّقُ على رؤية، بل تفقد مع مرور كل يوم ما تبقى من مبرِّرات لوجودها.
... بل، فاجأهم المشهد الاحتفالي الحقيقي الذي نظمه الشعب، وشارك فيه بمزيج نادر من الإصرار والفرح والثقة بالنفس.
«عيد الاستقلال» الحقيقي كان ذلك الذي احتفل به «لبنان الناس»، لبنان الأمل والطموح ونظافة اليد وسلامة النيّات، بعيداً جداً عن دهاليز الصفقات و«زواريب» السمسرات وأقبية التآمر والتهديد والوعيد.
وأنا كاتب هذه السطور، الذي عاش خارج لبنان منذ أكثر من أربعة عقود، تأكدتُ تماماً أنني ما عُدت أعرف اللبنانيين.
صحيحٌ أنه كان لدي دائماً قدرٌ معيّن من الواقعية يذكّرني بأن أكثر من 65 في المائة من أبناء هذا الشعب ولدوا بعدما غادرت وطني الأم. وصحيحٌ، أيضاً، أنني من خلال حواراتي مع جيل الشباب من اللبنانيين كان يضايقني جداً ضعف ذاكرتهم - إن وجدت - واختلاف أولوياتهم... عندما يحلمون ويطالبون ويطلقون الأحكام العجلى. بل، صحيحٌ أيضاً وأيضاً، أنهم تربّوا في بلد يعيش حالة متطاولة من ضياعٍ ثقافي، وفوضى تعليمية، وحصار قضائي، ونفاق سياسي، وهشاشة اقتصادية... وكل هذا انعكس على شخصياتهم وأسلوب تفكيرهم.
كل هذا وأكثر...
على الرغم من هذا كله، أسعدني مشهد سحب الإنسان في لبنان اعترافه بطبقة سياسية أمعنت في إذلاله والمتاجرة به. لقد كان الفارق بيِّناً - إن لم يكن صارخاً - بين شعب يحب بعضه بعضاً، ولا تتسع أرحب ساحات البلاد لتعبيره عن نفسه بعدما تقاطر إليها من كل حدب وصوب، وسلطة تتبادل مكوّناتها الكراهية والمطامع، ولا تجتمع إلا على باطل المحاصصة وتقاسم النفوذ، والتكبّر على مَن هم تحت، واستجداء الرضا ممن هم فوق!
عندما يقتنع الواحد منا، نحن أبناء العقدين السابع والسادس من العمر، بأننا نتمتع بـ«حكمة الشيوخ»... ونطالب الشباب - بشيء من الفوقية - بأن يتواضعوا و«يضعوا عقولهم في رؤوسهم»، فإن جزءاً من حكمتنا ناتج عن تكرار تجارب الفشل والإحباط، التي راكمت عندنا التردّد والحيطة... وأحياناً كثيرة... الجبن!
الشباب الذين فجّروا إبداعهم وعرضوا شجاعتهم وقلة تهيّبهم، أعلنوا بالأمس، بالفم الملآن أنهم «أبناء الحياة» في قلب بيروت. هؤلاء لن يخسروا شيئاً بشجاعتهم ولن يربحوا شيئاً بتردّدهم... وهذا بالضبط ما يفعلونه... بل ما فعلوه منذ نحو 35 يوماً.
أغبطهم؟ نعم أغبطهم. أود أن أكون معهم؟ حتماً... أود أن أكون ضمن صفوفهم، رغم أن محاولة أمثالي إقناعهم بالإحاطة بكل جوانب محنة لبنان - في هذه المرحلة - ستبدو «سيفاً ذا حدين».
أمرّ آخر، قد يكون تقنياً بعض الشيء، هو أن «الشيطان يكمن في التفاصيل». وسيكون مفيداً لشباب انتفاضة لبنان، الآن، بعد دخول انتفاضتهم شهرها الثاني - بكل ما اكتسبته من خبرات حوارية وميدانية - أن يبدأوا ببلوَرة تصوّر للاستراتيجية والتكتيك والأولويات المرحلية.
لقد أعطى عاملان اثنان الانتفاضة الشعبية زخماً عظيماً، أسهم في محافظتها على قوة دفعها:
العامل الأول، هو سوء تصرّف أهل السلطة ومواقفهم ومواقف وتصرّفات أتباعهم الاستفزازية. والعامل الثاني، إحجام الجيش - حتى تاريخه، لعدة أسباب موضوعية - عن القمع العنيف المباشر على الطريقتين السورية والعراقية.
هذان العاملان كانا مهمّين جداً بالنسبة إلى توفير متنفسٍ من الوقت للثوار كي يعرفوا ويختبروا بعضهم أكثر، ويتفاعلوا بصورة أفضل مع جمهورهم العريض الذي أعجب بالتزامهم ونقاء تحرّكهم. غير أن المحافظة على قوة الدفع تقضي بالسير أبعد، وإن بإيقاع أهدأ، والبدء بوضع أفكار عملية وعاقلة... ولو اعتبرها المتعجلون إبطاءً لتحقيق المنجزات المأمولة.
أقول هذا لأنني بتّ مقتنعاً أنه ما عاد لدى منظومة السلطة في لبنان اليوم، وتحديداً، «حزب الله» وتيار رئيس الجمهورية، من خيارات سوى ضرب الانتفاضة. وهذا ما ينضح من جانب «الحليفين» يومياً... سواءً عبر تهم «العمالة للخارج» والتخوين الممنهج، أو رفض بدء المشاورات النيابية المُلزمة من أجل تشكيل حكومة جديدة، أو الانقلاب الفعلي على روح «اتفاق الطائف» الذي بات جزءاً من الدستور.
«حزب الله»، الذي يقرّ علناً بتلقيه أمواله وسلاحه من إيران، يواصل كيل تهم «العمالة للخارج» للانتفاضة ولكل معارضيه. و«حليفه» رئيس الجمهورية مُصرٌّ على رفض الإسراع بتكليف شخصية تشكيل الحكومة، من منطلق إصراره على اضطلاعه شخصياً بمهمة التأليف... مع أن في هذا انقلابا صريحا على الدستور وتهميشا متعمّدا لموقع رئاسة الحكومة.
وعليه، أحسب أن بدء العمل على إنشاء تنسيقيات حقيقية - من دون اعتبارها «قيادة» للانتفاضة - بات مسألة ضرورية. فهي من ناحية ستلجم فوضى الاجتهادات، حتى تلك التي لا تخلو من النية الحسنة. ومن ناحية ستسقط من يد السلطة ورقة التلاعب والدسّ والتطويق وزرع العملاء...
إن خطر حرف الانتفاضة عن مسارها النقي احتمال يظل قائماً... طالما ظل موقف السلطة برموزها العلنية وقواها المستترة، كما هو. وهذا واقع يجب أن يظل في البال.
أيضاً خطر الغلو في أي مطلب والمزايدة في أي شعار موجود، سيستغلُّه أولئك الطامعون بجرّ المنتفضين إلى معاركهم وأزقتهم.
على القيمين على الانتفاضة إدراك بضع حقائق عن أمراض لبنان المُزمنة، بجانب محنته الحالية، التي تبدأ ولا تنتهي بالاحتلال الواقعي عبر السلاح غير الشرعي. وفي طليعة هذه الحقائق أن الطائفية المتجذِّرة لا تلغيها النيات الطيبة والكلمات المعسولة، بل المؤسسات التي لا بد من بنائها من أجل التمهيد للقضاء على الطائفية، ابتداءً من البيت والمدرسة أولا... قبل الوصول إلى مرافق الدولة. ثم، إن من هذه الحقائق أيضاً الفساد، الذي بات «تهمة» يتراشق بها كثيرون من دون ربطها بالخلفيات التي تنتج الفساد وتحميه وتُمأسسه.
بالأمس، كثرة من اللبنانيين الذين كادوا يفقدون الأمل في بلدهم استعادوا ثقتهم فيه، بقدر عودتهم للاعتزاز بانتمائهم إليه.
لقد كانت الرسالة مشرقة: لبنان الشعب هو وطن الاستقلال، بينما لبنان السلطة وطن محتل... خارج الزمان والمكان والحسابات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان الاستقلال للشعب والاحتلال للسلطة لبنان الاستقلال للشعب والاحتلال للسلطة



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
  مصر اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 00:03 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بايدن يُكرم ميسي بأعلى وسام في أمريكا
  مصر اليوم - بايدن يُكرم ميسي بأعلى وسام في أمريكا

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
  مصر اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 00:01 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

"لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا"
  مصر اليوم - لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا

GMT 14:55 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 07:29 2020 الأربعاء ,17 حزيران / يونيو

ارمينيا بيليفيلد يصعد إلى الدوري الألماني

GMT 13:03 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

"فولكس فاغن" تستعرض تفاصيل سيارتها الجديدة "بولو 6 "

GMT 18:07 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الإيطالي يتأهب لاستغلال الفرصة الأخيرة

GMT 07:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب

GMT 22:13 2024 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

بسبب خلل كيا تستدعي أكثر من 462 ألف سيارة

GMT 00:02 2023 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات فولكس فاغن تتجاوز نصف مليون سيارة في 2022

GMT 08:36 2021 الخميس ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أيتن عامر تحذر من المسلسل الكوري «squid games»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon