توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

يا مسيحيي لبنان... لا تُلدغوا من جحر واحد للمرة المائة

  مصر اليوم -

يا مسيحيي لبنان لا تُلدغوا من جحر واحد للمرة المائة

بقلم - إياد أبو شقرا

عندما يكون الابتزاز السياسي عادة، والتعصب المقيت خللاً جينياً، والمزايدة الطائفية استراتيجية سياسية... يغدو مفهوماً موقف «التيار الوطني الحر»، أي «التيار العوني»، رفضاً مجلس وزراء تمثله «حكومة تصريف أعمال»، في ظروف معيشية عصيبة يمرّ بها لبنان.
بعد ست سنوات كارثية من الرئاسة «العونية»، التي قادت لبنان -على لسان الرئيس السابق شخصياً- «إلى جهنم»، قد ينفع بعض التواضع وبقية باقية من الضمير الحيّ في إبداء التعاطف مع شعب منكوب بقياداته المحلية، وأيضاً بتقاطع المؤامرات الإقليمية والدولية على أرضه وفي بحره وعلى امتداد سمائه.
إن أحداً من الملمّين بالكيمياء اللبنانية لا ينخدع بما يرى، غير أن المشكلة ليست في ضعف الرؤية بقدر ما هي في رفض التعلّم والاتعاظ. ومع أن الأعراف والمواثيق، وكذلك القوانين التي يتصدّرها الدستور اللبناني، تشدد على أسس «العيش المشترك» وروحه، يتوجّب على «حكومات تصريف الأعمال» تنفيذ ما ينص عليه الدستور، أي بالضبط... «تصريف الأعمال». أما السبيل الوحيد لمنع الاستمرار في حكومات «تصريف الأعمال» فيكمن -بكل بساطة- في إنهاء مبرّر وجودها، أي الشغور في رئاسة الدولة. ذلك أنه بمجرد ملء هذا المنصب يتوجب، دستورياً، على الرئيس الجديد الدعوة مباشرةً إلى مشاورات برلمانية مُلزِمة، تنتهي بتكليف رئيس حكومة أصيل يشكل حكومة أصيلة بصلاحيات كاملة.
هذا، باختصار شديد، منطق الأشياء في أي بلد سويّ، ومع أي طبقة سياسية وقاعدة شعبية يتوافر فيهما التوافق الحقيقي على هوية البلاد، ومصيرها. لكن ما يعاني منه لبنان جملة من الآفات، أبرزها:
- أنه ليس بلداً سويّاً تتفق مكوّناته الفئوية على هويته ومصيره.
- أنه لا وجود عند هذه المكوّنات لثقافة متجذّرة تؤمن صدقاً بالتعايش غير المشروط وغير القائم على الغلبة؛ كي لا نقول الاستئثار.
- أنه حوّل «التعددية»، التي غدت في العديد من دول العالم قيمة ثقافية ومناعة سياسية، إلى سلاح هدم لكل المفاهيم المؤسساتية، من تنزيه القضاء... إلى توحيد الكتاب المدرسي.
- أنه يرزح تحت نفوذ جماعات بنت قاعدة تأييدها على «غسل الأدمغة» ومصادرة الإرادات. وبالتالي، استطاعت أخذ بيئاتها الطائفية رهائن لمغامراتها العبثية أو ارتباطاتها التبعية أو فسادها الداخلي.
- أن المغامرات والارتباطات، المشار إليهما أعلاه، أسهمتا في عقد «تحالف» مصلحي انتهازي أوصل لبنان قبل ست سنوات إلى ما وصل إليه؛ إذ تلاشت «الدولة» أمام «دويلة الاحتلال»، وتبخّرت السيادة أمام منطق «حلف الأقليات»، ووُئد الاستقلال في تراب إمبراطورية «الولي الفقيه» الممتدة من خراسان وبلوشستان شرقاً إلى البحر الأبيض المتوسط غرباً.
راهناً، بحجة «الميثاقية» وحماية حقوق المسيحيين، يرفض «التيار العوني» الانعقاد الاستثنائي لـ«حكومة تصريف الأعمال»، ويتعمّد تعطيل اجتماعها وسط البؤس والجوع والأمراض، محاولاً منع معالجات مطلوبة إنسانية طارئة؛ كتأمين أدوية ضد الأمراض المزمنة والخطيرة.
منطق «التيار» أن انعقاد الحكومة (نصف أعضائها مسيحيون)، وسط الشغور في موقع رئاسة الجمهورية، يشكّل «مخالفة دستورية». وتعمّم «أدبيات» العونيين ومزايداتهم ذرائع وتهويلات تتباكى -كالعادة- على حقوق المسيحيين، وتلمّح إلى «مؤامرة» عقدها رئيس الحكومة «السنّي» نجيب ميقاتي مع «الثنائي الشيعي» (المكوّن من «حزب الله» اللبناني وحركة «أمل») من أجل وضع اليد على السلطة التنفيذية.
للعلم، شهدت سنوات صعود «التيار» -متوّجة بسنوات رئاسة مؤسسه ميشال عون- أعلى أرقام هجرة للمسيحيين من لبنان، وأسرع خسائر لملكياتهم العقارية، وأسوأ انقسام في حياتهم السياسية، وأمرّ عداوات داخل بيئتهم الاجتماعية والطائفية، ناهيك عن ممارسة «التيار» أفظع انقلاب على «ثوابتهم» السياسية والثقافية. إذ إنه عبر عقده صفقة «تفاهم مار مخايل» (في فبراير/شباط 2006) مع «حزب الله» اللبناني، تناسى مسائل كالسلاح غير الشرعي، و«الدولة داخل الدولة» و«الحرية والسيادة والاستقلال»، وزجّ بالمسيحيين من دون مبرّر طرفاً في الصراع الشيعي السنّي الذي تغذّيه القيادة الإيرانية. ثم ذهب أبعد من ذلك، بتغطيته حرب 2006، التي أمنت لـ«حزب الله» تحويل سلاحه من جبهة الجنوب إلى «جبهتي» بيروت وجبل لبنان عام 2008، ثم إلى الداخل السوري منذ 2011، حيث أسهم في ترسيخ الاحتلال الإيراني لسوريا.
مضحك أن يتهم «التيار»، أي الطرف المسيحي في تفاهم مار مخايل، اليوم سياسياً سنّياً «بالتآمر مع الثنائي الشيعي» على حقوق المسيحيين، بينما ينسى تباهي رئيسه بقطعه «تذكرة سفر بلا عودة» (ون واي تيكيت) لرئيس وزراء سنّي، بينما كان الأخير ينتظر في واشنطن الاجتماع بالرئيس الأميركي (يومذاك) باراك أوباما.
ومضحك رفض «التيار» شرعية «حكومة تصريف الأعمال»، بينما يقترع نوابه باستمرار بأوراق بيضاء في سلسلة جلسات مخصّصة لانتخاب رئيس الجمهورية.
ومضحك ادعاء «التيار» تمثيل غالبية المسيحيين، مع أن نتائج الانتخابات الأخيرة -التي اعتُمد فيها النظام الانتخابي الذي يؤيده «التيار» و«الثنائي الشيعي»- أثبتت أنه لم يعد القوة المسيحية الأكبر. بل إن مجموعة من نواب «التيار» الحاليين... إنما انتخبوا بأصوات «الثنائي» نفسه!
وأخيراً، مضحك أن تطالب «قاضية التيار»، في أحدث فقرات مسلسل إهاناتها نزاهة القضاء اللبناني وتجاوزاتها وتسريباتها التي يعاقب عليها القانون في أي دولة محترمة، بالتحقيق في ممتلكات سياسي لبناني تعود ثروة أسرته الإقطاعية إلى القرن الميلادي الثامن عشر. لكنها، في الوقت ذاته، لا تنبس ببنت شفة عن حديثي النعمة من «محاسيب» جماعتها، و«منجزاتهم» المليارية في أرقام المديونية العامة منذ وضعوا أيديهم على الدولة وطاقاتها الكهربائية والمائية... وخلافه.
عبثيات من هذا النوع قد تبدو استغباءً للناس، لكنها -للأسف- قابلة للتصديق، بل لا تقبل الشك بالنسبة لبيئة مُدجّنة ومُروّضة تصدّق أي شيء من مرجعية تعتبرها فوق مستوى البشر. عليه، يستحيل توقع أي تغير في سلوك هذه البيئة.
إن المطلوب سلوك مسؤول وتاريخي من مرجعية أعلى وأكثر وعياً، حريّ بها إدراك أن لا بقاء لمسيحيي لبنان إذا ما فرّطوا في لبنان الوطن.
إن خطاب «حقوق الطائفة» و«الميثاقية» و«مقام الرئاسة»، مع الاحترام للمرجعيات الدينية المسيحية التي تكرّره، لا يجدي نفعاً، إذا ما واصلت السكوت عن المقامرين بمصير المسيحيين... والتغاضي عن رهاناتهم ومغامراتهم وأنانياتهم وفسادهم.
لا يجوز أن يُلدغ المسيحيون اللبنانيون من جحر واحد مائة مرة... بينما يتداعى الوطن تحت ضربات «حلف الأقليات».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يا مسيحيي لبنان لا تُلدغوا من جحر واحد للمرة المائة يا مسيحيي لبنان لا تُلدغوا من جحر واحد للمرة المائة



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث

GMT 04:47 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان محمد فؤاد يطرح فيديو كليب «سلام»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon