توقيت القاهرة المحلي 12:44:45 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ما من حقنا أن نأمله من إدارة بايدن

  مصر اليوم -

ما من حقنا أن نأمله من إدارة بايدن

بقلم:إياد أبو شقرا

يجوز القول إنه حتى الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن لا يجزم تماماً بتفاصيل السياسات التي سيتبناها إزاء تحديات فترة حكمه المفترض أن تبدأ في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل. وهذا أمر طبيعي جداً.
صحيح أن لكل رجل دولة متمرس قناعاتٍ لن تتبخّر بين ليلة وضحاها، وصحيح أن بايدن شغل لمدة 8 سنوات ثاني أرفع منصب في أقوى قوة عالمية، وخدم في مجلس الشيوخ الأميركي بين 1973 وحتى 2009، غير أن الرجل براغماتي مخضرم لا يصنّف في خانة الساسة الآيديولوجيين.
ثم إنه مهما بلغت خبرة زعيم ما، فهو لا يمكن أن يلم بكل شوارد السياسات الداخلية والخارجية، ولذا يلعب كبار المستشارين أدواراً حيوية في «صبغ» توجهات الرئيس وبلورتها، وهذا ما رأيناه مع رؤساء، بينهم جورج بوش الابن، الذي كان من «المؤثرين» الكبار إبان رئاسته نائبه ديك تشيني. وبيل كلينتون الذي كان يقدّر آراء وزيرة خارجيته مادلين أولبرايت والسيناتور جورج ميتشل زعيم الغالبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ. وقبله، لمع جيمس بيكر والجنرال برنت سكوكروفت في عهد جورج بوش الأب... وغير هؤلاء شخصيات عديدة بارزة.
ومن ثم، فإن من الأهمية التنبه للفريق الذي جمعه (ويجمعه) بايدن، وبالأخص في الشأن الخارجي. ويُذكر أنه سبق للرئيس المنتخب تولي رئاسة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ بين 2007 و2009. ولديه - وهو الكاثوليكي الآيرلندي - الانكليزي الأصل - علاقات وثيقة بالقيادات الأوروبية، كما يتمتع بخبرة في الملفات الشرق أوسطية.
ما هو واضح حتى الآن أن بايدن لن يلتزم الشعارات الانكفائية التي تبنّتها إدارة دونالد ترمب بشعبوية انعزالية ومزاجية لا تربط المعطيات باستراتيجية متماسكة. وما يرشح من تصريحات الرئيس المنتخب وبعض مستشاريه والمقربين منه، أنه بصدد فتح صفحة جديدة أكثر إيجابية وأقل تحريضاً إزاء الحلفاء الأوروبيين التقليديين.
أوروبا هي حقل التجارب الأول والأقرب لسياسات واشنطن الجديدة. وهنا يواجه الاتحاد الأوروبي المتوسّع على أنقاض «جغرافيا الحرب الباردة» صعوداً مقلقاً لروسيا جديدة، ظهرت ملامحه في أوكرانيا وجورجيا، بل وفي سوريا أيضاً، ناهيك مما يُزعم عن اختراق موسكو المجتمعات الغربية ومؤسساتها «سايبرانياً»... وسياسياً عبر التدخل في انتخاباتها ورعاية تنظيماتها المتطرفة.
باعتقادي، ستولي الإدارة الديمقراطية الجديدة أوروبا اهتماماً كبيراً في إطار تعاملها مع التحدي الروسي. والشيء نفسه - وإنْ بتفاصيل مختلفة - سيصدق على ملفات الشرق الأقصى والتعامل مع التحدي الصيني. وكان لافتاً قبل بضعة أيام كلام جون راتكليف، مدير جهاز الاستخبارات الوطنية الأميركية الذي حذّر من «الخطر الصيني» على الولايات المتحدة. وحقاً، الوجود الصيني ملموس وحاضر وثقيل في الشرق الأقصى وأفريقيا، وهو يتمدد بسرعة وثبات في أماكن أخرى من العالم.
ونصل إلى المنطقة الثالثة ذات الأهمية الاستراتيجية للولايات المتحدة خارج نصف العالم الغربي، ألا وهي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وهنا، توجد عدة قضايا تحتل مكانة رفيعة في الحسابات الأميركية، أبرزها: النفط، وأمن إسرائيل، والإرهاب، والهجرة. ولعل المتعاملين في شؤون المنطقة داخل أروقة واشنطن يعرفون جيداً مفاتيح هذه القضايا الأربع الكبرى وغيرها. وبدهي أن هذه المفاتيح تتمثّل أولاً بالقوى الإقليمية الأربع، أي: الدول العربية - رغم انقساماتها المُزمنة - وإسرائيل وإيران وتركيا. وثانياً بالتدخلين الروسي والصيني في المنطقة.
إدارة باراك أوباما، التي كان جو بايدن شريكاً مهماً فيها، تعاملت مع المنطقة فأصابت وأخطأت. وفي الحصيلة النهائية، كانت أخطاؤها أكبر بكثير وأخطر بكثير مما أفلحت في تحقيقه أو أقنعت نفسها بأنها حققته. إذ إنها راهنت على ما اعتبرته «اعتدالاً» نسبياً عند النظام الإيراني لعقد صفقة استراتيجية إقليمية معه، ولكن عاب رهانها وصفقتها الثغرات التالية:
- راهن أوباما على الديمقراطية والاعتدال عند نظام ثيوقراطي - ميليشياوي - توسعي لا يقيم وزناً للمواثيق والتعهدات، وسبق له الكذب على المجتمع الدولي لسنوات في تفاصيل مشروعه النووي.
- التفاهم نووياً مع نظام طهران ركّز على نقاط تقنية بحتة تحاشت ربط التفاهم بالأبعاد السياسية لأي مشروع نووي. وبالتالي، سمحت إدارة أوباما لإيران بأن تحقق سياسياً على الأرض ما أجّلت حسمه باستحواذها السريع على السلاح النووي.
- عبر إرضاء طهران، ومشروعها التوسّعي المذهبي من العراق إلى اليمن مروراً بسوريا ولبنان، استعْدَت واشنطن المكوّن السنّي في هذه الدول وغيرها في العالم العربي. وكانت النتيجة تعزيز صدقية قوى «الإسلام السياسي السنّي الراديكالي» التي كانت قد «شيطنتها» من أجل تبرير التفاهم مع طهران، ومنها حركة «حماس». وفتحت الباب على مصراعيه لدخول الرئيس التركي رجب طيب إردوغان على الساحة دفاعاً عن «المستضعفين السنّة». ودمّرت ما تبقّى من موثوقية للاعتدال الفلسطيني - ومعه فرص حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية - بعدما برّر اليمين الليكودي الإسرائيلي تصلّبه وعدوانيته «باضطراره» إلى مواجهة التوسع الإيراني!
وكما نعرف، بعد خيبة الأمل المرة من إدارة أوباما، جاء دونالد ترمب بمقاربات جديدة ومختلفة تماماً، أقله في الظاهر. وكان أول الغيث ضربات «تأديبية» في سوريا... أعقبتها تصريحات يُفهم منها أنها لا تتعمد إسقاط نظام بشار الأسد. ثم جاءت الضربة الثانية، الأقوى بكثير ضد إيران، متمثلة في انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي وتشديد العقوبات. واستمر نهج ترمب التصعيدي ضد طهران، فشهد في مطلع 2020 تصفية قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري»، وأخيراً المسؤول النووي الكبير محسن فخري زاده.
في ما يخص إيران، قد يقول قائل إن إدارة ترمب أحسنت إدارة الملف الإقليمي، لكن تبنّي ترمب المطلق لسياسات الليكود، ومنها تأييده ضم إسرائيل الجولان، ونقله السفارة الأميركية إلى القدس، وربطه علاقات
واشنطن «الودية» مع الدول العربية بشخص بنيامين نتنياهو لا بحكومة إسرائيلية واسعة التمثيل، أكسبت طهران سياسياً بقدر ما أفقدتها اقتصادياً. وتالياً، أفقد تبنّي ترمب كل سياسات الليكود كلاً من العرب والإسرائيليين أي فرصة للتوافق على سلام حقيقي قائم على مفهوم التعايش الحر المستقل عن الضغوط، بل وزرع ألغاماً للمستقبل كانت المنطقة، وستكون، في غنى عنها.
وعليه، المأمول اليوم من «العقلاء» في إدارة بايدن تجنّب الرهان على متطرّفي المنطقة، إيرانيين وعرباً، وإسرائيليين وأتراكاً...
والدفع إلى الأمام بأسس تعايش حقيقي يقوم على مبادئ الاحترام المتبادل والقبول بالآخر، والتخلي عن أحلام الهيمنة المجلّلة بشعارات «شرعيات» دينية مزعومة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما من حقنا أن نأمله من إدارة بايدن ما من حقنا أن نأمله من إدارة بايدن



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:09 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه
  مصر اليوم - بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه

GMT 10:57 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

درّة تكشف تفاصيل دخولها لعالم الإخراج للمرة الأولى
  مصر اليوم - درّة تكشف تفاصيل دخولها لعالم الإخراج للمرة الأولى

GMT 04:39 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

جيش منظم على الإنترنت ضد "تزوير الانتخابات" يدعمه إيلون ماسك
  مصر اليوم - جيش منظم على الإنترنت ضد تزوير الانتخابات يدعمه إيلون ماسك

GMT 09:38 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الحوت

GMT 00:05 2023 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الأهلي يستقر على التجديد لعمرو السولية

GMT 07:13 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

جزء ثانٍ من فيلم «موسى» في صيف 2022 قيد الدراسة

GMT 13:06 2021 الثلاثاء ,08 حزيران / يونيو

أنشيلوتي يحسم موققه من ضم محمد صلاح إلى ريال مدريد
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon