توقيت القاهرة المحلي 06:13:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

شغب بريطانيا... رسالة تحذيرية في كل الاتجاهات

  مصر اليوم -

شغب بريطانيا رسالة تحذيرية في كل الاتجاهات

بقلم : إياد أبو شقرا

عندما اندلعت حروب تمزيق يوغوسلافيا السابقة، وسمع القاصي والداني بأشلاء تلك الدولة البلقانية التي تقاطعت عندها كل فوالق «البلقنة»، وعشنا في العالمَين العربي والإسلامي مجازر «جيبي» سريبرينيتسا وجيبا، كنت أكمل دراسة الماجستير في لندن.

في حينه، كان بين زميلاتي طالبة أميركية يهودية، هي التي وجدتها الأكثر قلقاً وتحمّساً لمساعدة الضحايا. وبالفعل، تطوَّعَت لاحقاً للانضمام إلى إحدى قوافل الإغاثة التي قصدت بعض «الجيوب» المحاصَرة... قبل انتهاء النزاع، وإسقاط حكم الزعيم الصربي السابق الراحل سلوبودان ميلوشيفيتش.

يومذاك، رنّت كلماتها في أذني بإلحاح. وبلهجة غاضبة ومستنكرة سألتني عن سبب «صمتنا»، بل «تخاذلنا» (نحن العرب) أمام ما وصفَته بنهوض «غول الصليبية المسلحة» من جديد فوق تراب أوروبا. ثم قالت: «تاريخنا، نحن اليهود، علّمَنا جيداً ما تعنيه هذه الظاهرة... فتحسَّسوا رؤوسكم واتَّعِظوا قبل فوات الأوان». في تلك الحقبة كان العالم الغربي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، يتعجّل الإجهاز على نفوذ موسكو من ناحية، ولا يهمه من ناحية ثانية ما يُمكن أن يحدث للأقليات البلقانية –وبالذات، للبشانقة المسلمين– على أيدي الصرب «أخلص الحلفاء التاريخيين» لروسيا. وكما نتذكّر، دفع مسلمو البوسنة ثمناً باهظاً لاستقلال هشّ في منطقة... قد تنام فيها الأحقاد التاريخية لكنها لا تموت!

في أوروبا الغربية ربما تختلف النسب مقارنةً مع البلقان، لكن الأحقاد الدينية والمذهبية والإثنو - لغوية أيضاً موجودة. وعلى الرغم من «خيمة» الاتحاد الأوروبي الواسعة، فإن ثمة «حساسيات» حيّة كامنة، من آيرلندا، إلى قطالونية وبلاد الباسك في أسبانيا، ومروراً بـ«الموزاييك» الشمالي - الجنوبي الإيطالي الذي لم تُلَملِمه في الفترة الأخيرة سوى عودة الفاشية إلى الحكم... موحِّدةً «البادانيين» الشماليين مع «التيرّونيين» الجنوبيين ضد «الأغراب» الوافدين إلى شبه الجزيرة من الجنوب والشرق.

أيضاً، بريطانيا، التي تلتهب مدنها اليوم بأعمال عنف خطرة، لديها هي الأخرى تاريخها القلِق مع أزمتَي «التكامل» و«التعدّدية»، كما أنها عاشت ردحاً من الزمن هاربة من تسوية تاريخية لإنهاء النزاع الآيرلندي تحت شعار «رفض التنازل للإرهاب المسلّح».

أكثر من هذا، خرج من بريطانيا السير أوزوالد موزلي، السياسي الراديكالي وصديق بنيتو موسوليني، وأحد نجوم حقبة النازية والفاشية. وأيضاً لمع فيها السياسي والمثقف اليميني البارز إينوك باول، الذي حذّر عام 1968 من «أنهار دم» إذا استمرت الهجرة إلى بريطانيا من مستعمراتها السابقة؛ لأنه كان يرى أن لا مفرّ من الصدام العنيف بين المجتمعات البيضاء والسوداء. وحينذاك، قال باول إن مجرد إغلاق حدود بريطانيا لن يكون كافياً، بل لا بد من إعادة بعض المهاجرين الذين استقروا في البلاد إلى «مواطنهم» الأصلية.

بالأمس، جريمة قتل عدد من الأطفال في مدينة ساوثبورت بشمال غرب إنجلترا، جريمة فظيعة إلى أقصى الحدود. ولكن حرص الأجهزة الأمنية لدواعٍ قضائية بالتكتم على اسم المتهَم؛ كونه قاصراً (عمره 17 سنة)، سمح للجماعات اليمينية المتطرفة المعادية للمسلمين أولاً، وللمهاجرين ثانياً، بشنّ حملة تضليل وتحريض عنصرية، ثم إطلاق أعمال شغب وتظاهرات في عدد من المدن والضواحي.

وسط هذا الوضع الاستثنائي، والخطير في آنٍ، اتخذت السلطات القرار بكشف المعلومات الشخصية عن المتهَم، والمباشَرة بتدابير عاجلة لاحتواء سم العنصرية الذي أخذت تنفثه جماعات مشبوهة متطرفة، مستفيدة من واقعين:

الأول: سهولة التجييش عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

والثاني: وجود ساسة انتهازيين عديمي الأخلاق، وجدوا مناسبة لتعزيز مكانتهم في الأوساط الانعزالية والعنصرية المحدودة الثقافة والوعي، عبر الغمز واللمز والتلميح.

من المعلومات التي كشفتها بالأمس بعض الصحف الوطنية، أن الفتى المتهم بالقتل ليس مسلماً، ولا علاقة له بالاسم المزعوم المتداول (علي الشكاتي) في وسائل التواصل، بل هو فتى مسيحي أفريقي الأصل، ومُنشِد في كورال بإحدى الكنائس.

ثم إنه لا المتهم ولا أهله من «لاجئي القوارب»، كما أُشِيع، بل هو مواطن بريطاني مولود في مدينة كارديف عاصمة ويلز. كذلك لم تتكتم الشرطة على الاسم «تستراً» على «الحقيقة»، بل احتراماً للمبادئ والنصوص القضائية.

من جانبها، هيئة الإذاعة البريطانية الـ(بي بي سي)، نشرت تقريراً عن الدور الخطير الذي لعبه استغلال اليمين المتطرف في وسائل التواصل الاجتماعي، وجعلها مطيّة لـ«نظريات المؤامرة» الكاذبة، بينما أشارت جهات أخرى إلى «التغير الحاصل في تركيبة اليمين البريطاني»، وتحوُّل متطرفيه إلى التحريض السافر على العنف، ومهاجمة دُور العبادة والاستهداف الممنهَج للمسلمين والمهاجرين وطالبي اللجوء.

هنا، أجدني مدفوعاً بالرغم مني، للاستشهاد بمقولة «مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة». وبرأيي إن وصول الأمر ببعض الرعاع العنصريين إلى التعدّي على الناس -والشرطة أيضاً- وتهديد دُور العبادة، ورفع شعارات كراهية مريضة لا يجوز أن يفاجئنا إطلاقاً.

ومع إدراكي أن لا «علاقة مباشرة» بين التشدُّد الآيديولوجي والفاشية القاتلة، فإنني أستطيع أن أستشعر مآل الأمور... بدءاً من خوف فئة من الناس على وظائفها، ثم خشيتها من «ضياع» هويتها و«فقد» وطنها، وانتهاءً بالانتقام من «المسؤول» المزعوم!

أستطيع أن أفهم كم هو سهلٌ على ديماغوجيّي السياسة اللاأخلاقية وعُتاة عنصريّيها استغلال جهل محدودي العلم والثقافة بالتاريخ والجغرافيا والاقتصاد، وتحريكهم كأدوات قتل وكراهية صماء...

وما نراه اليوم في بريطانيا، وقد يتطوّر –لا قدَّر الله– إلى الأسوأ في بريطانيا كما في غيرها من كُبريات الدول الغربية، يستحق منا مقاربة واعية، وتجنُّب الاستخفاف وتسجيل النقاط.

العنصرية ليست «بنت ساعتها»، ولا يوجد مجتمع في العالم محصَّن ضدها مهما أسبَغنا من عبارات التبجيل على تجارب الديمقراطية.

والانعزالية قد تبدأ كظاهرة بريئة... لكنها لا تظل كذلك إلى الأبد!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شغب بريطانيا رسالة تحذيرية في كل الاتجاهات شغب بريطانيا رسالة تحذيرية في كل الاتجاهات



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:09 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه
  مصر اليوم - بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه

GMT 08:32 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريس "قلق جدا" لوجود قوات كورية شمالية في روسيا
  مصر اليوم - غوتيريس قلق جدا لوجود قوات كورية شمالية في روسيا

GMT 17:24 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة حديثة تكشف صلة محتملة بين الاكتئاب وارتفاع حرارة الجسم
  مصر اليوم - دراسة حديثة تكشف صلة محتملة بين الاكتئاب وارتفاع حرارة الجسم

GMT 04:39 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

جيش منظم على الإنترنت ضد "تزوير الانتخابات" يدعمه إيلون ماسك
  مصر اليوم - جيش منظم على الإنترنت ضد تزوير الانتخابات يدعمه إيلون ماسك

GMT 09:38 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الحوت

GMT 00:05 2023 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الأهلي يستقر على التجديد لعمرو السولية

GMT 07:13 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

جزء ثانٍ من فيلم «موسى» في صيف 2022 قيد الدراسة

GMT 13:06 2021 الثلاثاء ,08 حزيران / يونيو

أنشيلوتي يحسم موققه من ضم محمد صلاح إلى ريال مدريد
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon