توقيت القاهرة المحلي 13:08:31 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رسالة العراق والمنطقة إلى البابا... شرعية الدولة وحدها تحمي الأقليات

  مصر اليوم -

رسالة العراق والمنطقة إلى البابا شرعية الدولة وحدها تحمي الأقليات

بقلم:إياد أبو شقرا

تاريخيةٌ زيارة البابا فرنسيس للعراق، إلا أن العبرة بالنتائج، رغم وجود رأس كبرى الكنائس في العالم على أرض إحدى أقدم حضارات البشرية وأعرقها... بلاد أبي الأنبياء والديانات التوحيدية الثلاث، ومهد الحضارة المسيحية المشرقية، نسطورية ويعقوبية، وأحد المكانين اللذين كُتب فيهما التوراة وقامت فيها أبرز المعاهد اليهودية وأهمها مكانة.
في العراق، حيث حل بالأمس البابا فرنسيس، ثاني بابا كاثوليكي غير أوروبي بعد غريغوريوس الثالث ابن سوريا (القرن الميلادي الثامن)، قامت مملكة مسيحية عربية عاصمتها الحيرة. ثم اختُطت وأسست الكوفة والبصرة حاضرتين إسلاميتين... وبعدهما ولدت المكانة الدينية المميّزة لكل من النجف وكربلاء.
وفي العراق أيضاً نحو 20 ديانة وطائفة ومذهباً... عدد منها نبتت في ترابه وشرب من رافديه وما وُجد حتى الأزمنة الحديثة إلا فيه.
المناسبة إذن تاريخية بلا أدنى شك. ولكن عند هذه النقطة يجب تُنحّى العواطف والمثاليات جانباً ليبدأ الكلام الواقعي، وما أقبح الواقع في بلادنا.
تجمّع أمام البابا الزائر في أور ممثلون عن المكوّنات، وكان الكلام طيباً كما النيات. إلا أنه خلف هذا المشهد النقي حقائق بشعة وتراكمات سوداء ومستقبل غامض. وبعض المكوّنات التي تكلم ممثلوها هاجر معظم أبنائها إلى كل قارات العالم، بعدما دفعوا ضريبة باهظة لفقدان الحكم الرشيد، وتقاطع الأطماع، ونزعات الكيد والإلغاء.
أيضاً التقى البابا، الآتي بلغة المحبة والتواضع، بأشخاص وتنظيمات مسلحة تجيد لغة مختلفة تماماً. وفي بعض حالات العبثية المغلفة بـ«شطارة» العلاقات العامة، جرى التعريف عنها بأنها «أسهمت بحماية المسيحيين!».
هذه الحالات العبثية، للأسف، ليست حكراً على العراق، بل هي حالة سياسية معممة على مستوى المنطقة، وجارٍ توسيع إطارها إلى أجزاء من شبه الجزيرة العربية واليمن.
إن ما حصل في العراق من عام 1979، ويتكرر منذ 2003، يفترض أن تستوعب دوائر القرار العالمية أبعاده الجيو سياسية والاقتصادية. وأزعم أن للفاتيكان، كمرجعية في العالم المسيحي، «شرعية» تعوّض بقوتها الأخلاقية الناعمة ما تفتقر من آليات البطش والقهر والاحتلال.
ومن ثم، إذا كان ثمة مجال لفتح صفحة جديدة من التعايش بين الغرب والشرق، فمن باب أولى تجاوز اللياقات الدبلوماسية، ونقل الحوار بين «الشرعيات» الدينية من المناسبات الاحتفالية والتسابق على إبداء حسن النية... إلى ترجمة كل ذلك على أرض الواقع.
لقد علّمنا تاريخ منطقتنا المُوغل في القِدم، كيف سادت حضارات ثم بادت، وتعاقبت دول وتعّدد المحتلون، واقتُلعت شعوب ووُطنت شعوب أخرى، وتكاملت ثقافات، واستُنسخت لغات، و«ابتكرت» هويات وولاءات. ومنطقتنا، كما تشهد على ذلك أحقادها وحروبها وموجات جنونها، تئن اليوم تحت وطأة محنة كبرى... الخوف كل الخوف أن يتغلب فيها اليأس على الأمل... والبغض على المودة والرغبة في العيش المشترك.
العراق، البلد الذي حباه الله بثروات طبيعية وإنسانية هائلة، يترنح راهناً على هاوية «الدول الفاشلة». وبالطبع، حال كل من سوريا ولبنان وما تبقى من فلسطين لا يقل سوءاً، إن لم يكن أسوأ. أما الحل المأمول، الذي يمكن أن يحمله البابا إلى العالم بأسره، فهو التأكيد على أن إنقاذ المشرق العربي يحتاج إلى ترسيخ مفهوم «الدولة».
هذا الأمر متعذّر الآن لسبب جوهري، هو أن قوى «الأمر الواقع» المهيمنة على العراق، والمتسلطة على سوريا، والمتحكمة بلبنان... لديها تعريفها الخاص لـ«الدولة». وهي عملت وتعمل بلا كلل على استنساخه في كل مكان سقط بأيدي ميليشياتها الطائفية.
هذا التعريف يقوم على تجربة «الحرس الثوري» الإيراني. فلقد ابتُكر «الحرس الثوري» كقوة شعبية رديفة للقوات المسلحة النظامية «دفاعاً عن الثورة الإسلامية». إلا أنه سرعان ما غدا الكيان السلطوي الحقيقي في إيران، فتوسّع من المجال العسكري إلى المجال السياسي (بما فيه العلاقات الخارجية)، ثم المجال الاقتصادي والتصنيعي. واليوم يشكل «الحرس الثوري» إحدى ركائز المؤسسة العسكرية والسياسية والاقتصادية في البلاد. وله دور كبير في إدارة اللعبة السياسية داخلياً، وترجمة غايات إيران الاستراتيجية خارجياً.
وهكذا، عُممت تجربة «الحرس الثوري» في لبنان عبر «حزب الله»، ثم العراق عبر «الحشد الشعبي»، واليمن عبر الحوثيين، وأخيراً في سوريا. وكما كان إضعاف «الدولة» لمصلحة «الحرس» بحاجة إلى شعار برّاق مثل «حماية الثورة» ثم «تصدير الثورة»... و«تحرير فلسطين»، طُبِّق المنطق نفسه في العراق ولبنان وسوريا واليمن.
في لبنان كانت المهمة سهلة لكونه متاخماً لإسرائيل، ولأن إسرائيل حتى عام 2000 كانت تحتل جزءاً من الأراضي اللبنانية... وبالتالي، حصل «حزب الله» على شعار «المقاومة».
إلا أن الأمر، كان يحتاج إلى ذرائع أكثر جدّية من أجل ضرب «الدولة» في العراق وسوريا واليمن... وكانت الضالة المنشودة جماعات التطرف الإسلامي السني، بدءاً بتنظيم «القاعدة» ووصولاً إلى تنظيم «داعش».
وحقاً، سهّل نظام دمشق عبور مسلحي «القاعدة» الحدود السورية العراقية لمناوشة القوات الأميركية من أجل التعجيل بانسحابها وتسليم العراق لإيران. وتركت حكومة نوري المالكي مدينة الموصل لتسقط بلا مقاومة أمام هجوم شنته قوة قليلة العدد من «داعش».
وفي سوريا، تعمّد النظام ترك «داعش» يعبث ويدمر في أرض منبسطة مفتوحة لسلاح الطيران - كمناطق الرقة وتدمر والبادية السورية - بينما كان طيرانه الحربي يدك المدن السورية الآهلة بالسكان. وجاء أبلغ تبرير لهذه السياسة قول سياسي لبناني من خط دمشق، خلال مقابلة تلفزيونية قبل ضرب «الجيش السوري الحر»، إن استراتيجية دمشق «تقوم على التخلص من الخطر المباشر الذي يشكله الجيش الحر، ومن ثم مواجهة العالم بخيارين... إما النظام أو داعش!». وبالفعل، تجاهل العالم المجازر والسلاح الكيماوي، وحصر مهمته بالتصدي لخطر «داعش»... المصنّع إقليمياً واستخباراتياً.
نعم زيارة البابا فرنسيس مهمة، لكن الأهم ألا تتيح - من منطق النيات الحسنة - أن تأتي بمفعول معاكس. وصحيح إن المشرق العربي بحاجة إلى السلام والتآخي والتنوع والتعايش، لكن الأقليات لا تُحمى بسلاح الميليشيات... بل بشرعية الدولة.
إن الضمانة الوحيدة للأقليات، كل الأقليات مسيحية وغير مسيحية، وفي العراق وغير العراق، هي الدولة العادلة القادرة على حماية الاستقلال والسيادة والدستور وحكم القانون...
أي بديل آخر خطأ فظيع ينذر بمزيد من الظلم والغبن... والمآسي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رسالة العراق والمنطقة إلى البابا شرعية الدولة وحدها تحمي الأقليات رسالة العراق والمنطقة إلى البابا شرعية الدولة وحدها تحمي الأقليات



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 21:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
  مصر اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon