توقيت القاهرة المحلي 21:14:34 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التجربة الشهابية في لبنان: السياسة و«العسكر» و«الإنقاذ»

  مصر اليوم -

التجربة الشهابية في لبنان السياسة و«العسكر» و«الإنقاذ»

بقلم - إياد أبو شقرا

في خضم الفراغ الرئاسي اللبناني، وأمام خلفية تجارب الجيوش مع السلطة في العالم العربي، بل وعلى امتداد العالم الثالث... يستذكر بعض كبار السن والمثقفين اللبنانيين ظاهرة اسمها فؤاد شهاب.
ذلك الرجل، الذي رحل قبل 50 سنة - يوم 25 أبريل (نيسان) 1973 - عن عمر يناهز الـ71 سنة، جمع مزايا متعددة وأبعاداً متناقضة في شخصه. فهو سليل عائلة عربية قرشية مخزومية، كانت لها زعامتها في منطقة وادي التيم (جنوب شرقي لبنان)، وقاعدتاها بلدتا حاصبيا وراشيا. ولاحقاً أسندت إلى الشهابيين - وهم أصلاً من المسلمين السنّة - «إمارة جبل لبنان» عبر المصاهرة مع آل معن «أمراء الجبل» الموحّدين الدروز، الذين يتحدّرون من ربيعة... إحدى أمهات قبائل العرب العدنانيين. ولكن، في أيام الأمير يوسف شهاب (حكم بين 1770 و1789م) اعتنق بعض الأمراء الشهابيين، بالذات في جبل لبنان المسيحية، بينما ظل الآخرون مسلمين سنّة وخرج من هؤلاء الأمراء ساسة ومناضلون، بينهم رئيس وزراء لبنان السابق خالد شهاب، والشهيد عارف الشهابي ومصطفى الشهابي، رئيس المجمع العلمي العربي في دمشق.
هذه الخلفية الغنية بتنوّعها وثقافتها أسهمت في ترفّع فؤاد (بن عبد الله بن حسن) شهاب - المسيحي الماروني - عن الطائفية المريضة والتعصّب الحزبي. وكذلك أسهمت تجربته العسكرية كضابط، ثم كقائد جيش في قناعاته المؤسساتية وإيمانه الشديد بالدستور والالتزام بالقانون ومحاسبة الذات قبل الآخرين. وبالفعل عاش شهاب حياته متواضعاً زاهداً وتوفي متواضعاً زاهداً رغم النفوذ والاحترام الكبيرين اللذين حظي بهما، ولا سيما بعد انتخابه رئيساً للجمهورية.
في المرتين حين بلغ شهاب السلطة، كانت السلطة عملياً هي التي تسعى إليه وما كان هو الذي يطلبها. إذ عيّن - بصفته قائد الجيش - رئيساً مؤقتاً للحكومة لبضعة أيام عام 1952 إثر استقالة رئيسي الجمهورية والحكومة بشارة الخوري وصائب سلام. ثم انتُخب رئيساً للجمهورية في أعقاب «ثورة 1958» على الرئيس كميل شمعون، وكان لدوره الرافض تدخل الجيش في النزاع الأهلي عاملاً أساسياً أهّله ليكون «الرئيس الإنقاذي» الذي يعيد ترميم النفوس والبلاد، ويطلق من جديد مسيرة الإعمار والمؤسسات. وهذا بالضبط ما فعله فؤاد شهاب على امتداد سنواته الرئاسية الست... واستحق معه لقب «باني الدولة الحديثة» في لبنان.
شهاب - الذي ما أنجب أولاداً – رفض تأسيس حزب له، ولم يفتح معارك مع خصومه، ولم يسع إلى الهيمنة على شارع طائفي تحت أي ذريعة من الذرائع. بل في عز بروز «الناصرية»، وانضمام سوريا إلى مصر فيما عُرف بـ«الجمهورية العربية المتحدة»، دفعه إدراكه العميق بحساسية التوازنات وتخوّفه من الفورات العاطفية في لبنان خارج للتو من نزاع أهلي مسلح، إلى الاجتماع بالرئيس جمال عبد الناصر داخل خيمة نُصبت على الحدود السورية - اللبنانية.
مع هذا، أساءت حماسة ضباط في الجيش إلى ذكرى ذلك الرجل النبيل؛ إذ تسلل «المكتب الثاني» (جهاز استخبارات الجيش الذي أسسه شهاب) إلى اللعبة السياسية، وأوحت ممارسات هذا الجهاز – زوراً - للشارع اللبناني بأنه إنما يتكلم ويتصرف باسم الرئيس.
ومن ثم، كانت النتيجة المباشرة رفض شهاب مناشدات التجديد، فانتخب شارل حلو رئيساً عام 1964. وظل حلو يُعدّ امتداداً لشهاب حتى انتخابات عام 1968 عندما تحالفت الأحزاب المسيحية الأكبر برعاية بطريركية، وهزمت مرشحي «النهج الشهابي» في معظم الدوائر الانتخابية المسيحية. كذلك أثر هذا الواقع لبعض الوقت سلباً على حظوظ إلياس سركيس، أقرب معاوني شهاب (الذي انتُخب رئيساً بعد سنوات)، عندما انتُخب سليمان فرنجية رئيساً عام 1970 بفارق صوت واحد عن سركيس. وللعلم، قبل انتهاء حكم فرنجية اندلعت «الحرب اللبنانية» واستمرت حتى 1990.
لدى العودة إلى إرث شهاب السياسي، ومآل الأحداث في لبنان... قبله وبعده، نلاحظ ما يلي:
- أن المجتمعات التعدّدية، ولا سيما، في العالم الثالث، تعيش غالباً بانتظار «بطل منقذ» ينقذها من تناقضاتها ويلحم تفسخاتها. وفي العديد من الحالات، تتيسر لهذه المجتمعات شخصيات استثنائية «كاريزمية» قد تنجح مرحلياً في ظروف استثنائية تتوازى أو تتكاتف مع جاذبية هذه الشخصيات، إلا أن النجاح على المدى البعيد غير مضمون، لا بل قد ينسف «المؤسسات» القائمة التي ورثها أو أسسها أو عزّزها «البطل المنقذ».
- بحكم تركيبة الجيوش، فإن «نظام الإمرة» هو الأساس. إذ لا مجال للجدل والاجتهادات وتصارع الأفكار داخل جهاز مهمته الأولى أمن الوطن وحماية حدوده. «نظام الإمرة» هذا يشكل نقيضاً عملياً للبرلمانات وأحزابها السياسية. ومن ثم، في غياب نية حقيقية في «تعايش» (بين المؤسستين العسكرية والسياسية) يقوم على ثقافة «التكامل» وإدراك المصلحة المشتركة في وحدة الهدف... لا بد من وقوع التناقض عاجلاً أو آجلاً.
- دور «البطل المنقذ» في كل دول العالم التي مرّت بهذه التجربة لم يعمّر طويلاً. ففي باكستان، مثلاً، التي ولدت بعد حرب تقسيم أهلية وتبادل سكانية دامية، لعب فيها محمد علي جنّه ذلك الدور. ولكن منذ وفاته، دخلت البلاد في نفق لا ينتهي من الانقلابات العسكرية والاضطرابات التقسيمية (نجح أكبرها في استقلال بنغلاديش). ولا يختلف الأمر كثيراً في نيجيريا، حيث زاد الطين بلة تغلغل الفساد داخل الإدارات المتعاقبة عسكرية ومدنية، وانتشار الجماعات الدينية المتشددة.
- تداخل الانقسامات الفئوية والأزمات الاقتصادية مع عجز النظام السياسي - العسكري عن أداء مهمة «الإنقاذ» قد يؤدي في حالات عديدة، منها حالات نشهدها راهناً في عالمنا العربي، إلى الانتقال من حالة «التقسيم» إلى آفة «التفتيت». وما شهدناه في ليبيا وسوريا... وما نشهده حالياً في السودان، على سبيل المثال لا الحصر، دليل على ذلك. في السودان اقتحم الجيش السياسة مرات عدة، وفي كل مرة فعل ذلك بحجة «إنقاذ» البلاد من «خلافات الأحزاب». فكيف نرى الحال في السودان اليوم؟ خلافات الأحزاب لم تنته ولا مؤشرات على قرب انتهائها، ولكن في المقابل... انفصل جنوب السودان، وأدت «حرب دارفور» غرباً إلى تأسيس جيش ميليشياوي يعرض عضلاته اليوم في شوارع المدن السودانية، وتتفاقم الأوضاع وتعلو الأصوات الانفصالية عند البجا في الشرق... وليس هناك ما يمنع من مزيد من التشققات والتشرذمات في أماكن أخرى.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التجربة الشهابية في لبنان السياسة و«العسكر» و«الإنقاذ» التجربة الشهابية في لبنان السياسة و«العسكر» و«الإنقاذ»



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:11 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
  مصر اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 11:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 20:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

مصر تؤكد على دعم سوريا وأهمية حماية المدنيين
  مصر اليوم - مصر تؤكد على دعم سوريا وأهمية حماية المدنيين

GMT 16:48 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إياد نصار يُشوق متابعيه لفيلمه الجديد ويُعلِّق
  مصر اليوم - إياد نصار يُشوق متابعيه لفيلمه الجديد ويُعلِّق

GMT 11:08 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
  مصر اليوم - الكشف عن قائمة بي بي سي لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 18:47 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"

GMT 11:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تتفاوض مع شركات أجنبية بشأن صفقة غاز مسال طويلة الأجل

GMT 13:21 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الأهلي يتعاقد مع "فلافيو" كوم حمادة 5 سنوات

GMT 15:07 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 07:34 2018 الأربعاء ,18 تموز / يوليو

شيخ الأزهر يستقبل توني بلير ويعرب عن دعمه لمصر

GMT 06:35 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خروج فتحي وسامي عن قائمة بيراميدز أمام سموحة

GMT 00:26 2021 الأحد ,23 أيار / مايو

عمرو جمال يقترب من الانضمام لـ«بيراميدز»

GMT 11:47 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

شوبير يهاجم الكاف بسبب ملعب مباراة الأهلي وسونيديب

GMT 10:53 2020 الأحد ,13 كانون الأول / ديسمبر

الكاف يبحث مقترحا جديدا بشأن مباراتي الزمالك وبطل تشاد

GMT 04:30 2020 الإثنين ,02 آذار/ مارس

الزمالك يدرس بيع فرجاني ساسي ومحمود علاء

GMT 18:16 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

رينيه فايلر يرفض إراحة لاعبي الأهلي عقب لقاء المقاصة

GMT 04:01 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

Brabus تستعرض أسرع سيارات مرسيدس من الفئة "G"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon