توقيت القاهرة المحلي 18:31:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«تقاسم» سوريا يقترب من الإنجاز... بتواطؤ دولي

  مصر اليوم -

«تقاسم» سوريا يقترب من الإنجاز بتواطؤ دولي

بقلم - إياد أبو شقرا

ما لم تخنّي الذاكرة، لم تصدُق «نظريات المؤامرة» في أي مكان من العالم كما صدقت في العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط.
إنها منطقة لعب فيها الاقتصاد والتاريخ والجغرافيا وتسييس الدين، أدواراً مهمة في ازدهارها وشقائها، واستقرارها واضطراباتها. فهي تقع في وسط «العالم القديم» رابطة ثلاث قارات، وتتحكّم في العديد من الأجسام والممرات المائية، وتشكل شعوبها أحد أكبر مكوّنات العالم الإسلامي المتاخمة للعالم المسيحي في أوروبا... وحضارات الشرق الأقصى وجنوب آسيا ودياناتها. ثم إن في هذه المنطقة ثروات واحتياطيات وموارد تعدينية واقتصادية هائلة تتقاطع مع مخاطر بيئية تتوازى في نمو سكاني سريع يشكل تحدياً جدياً لخطط التنمية من جهة، ونجاح «الحكم الرشيد» من جهة أخرى.
في قلب هذه المنطقة الشاسعة المساحة تقع بلاد الشام... ومركز دائرتها سوريا. سوريا... البؤرة الحيوية ومفتاح الأمن وشفير الفتن وبوتقة الانصهار وحلبة الصراعات ونقطة تقاطع الهويات والمصالح... ومنبت الأوطان ومدفنها.
ولئن كانت منطقة الشرق الأوسط - وبالذات، ركنها العربي - «البطل بالرغم منه» في «نظريات المؤامرة»، فإن هوية سوريا كانت «البداية» و«النهاية» لكل ما أعد ويُعد وسيُعد للمنطقة ككل... واستطراداً، كان ولا يزال وسيظل حالة تفاعل وتأثير في تقلب الحسابات الدولية.
ليس جديداً الكلام عن مستويين من «لعبة الأمم» التي تمارَس على أرض سوريا وأنقاض دولتها ومصالح - بل مصائر - أبنائها منذ عام 2011 على الأقل. المستوى الأول إقليمي، حيث تتنازع ثلاث قوى إقليمية، هي إسرائيل وإيران وتركيا، النفوذ على أرض سوريا ومحيطها... تحديداً العراق ولبنان والأردن وفلسطين. والثاني هو المستوى الدولي المتمثل بحسابات القوى العالمية الكبرى، وفي طليعتها الولايات المتحدة وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي.
قبل عام 1979 كانت التوازنات الإقليمية رهينة حسابات «الحرب الباردة» وصراع «الشرق» و«الغرب». غير أن الاعتمالات السياسية والاجتماعية والفكرية في الشرق الأوسط كانت تتبلور بالتوازي مع تغيّر ميزان القوى العالمي، وأيضاً مع تعريفَي «الحليف» و«العدو» في عواصم القرار العالمي.
ومن ثم، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي (1990 - 1991) وانتهاء «الحرب الباردة» بهزيمة «الشرق» - نظرياً - تبدّلت المعطيات والموازين داخل منطقتنا، كما تبدّلت على مستوى العالم. ومقابل تراجع البديلين اليساري والقومي المتحالفين مع «الشرق» في كل من المشرق العربي و«جيرانه» من غير العرب، ازداد ثقل البديل الديني مع بروز «الإسلام السياسي» بشقيه السنّي والشيعي... عربياً وإيرانياً وتركياً. وكذلك انتهى دور ريادة العماليين (الاشتراكيين الصهاينة المؤسِّسين) في إسرائيل وانهار نفوذهم أمام صعود اليمينين الديني والفاشي في مؤسسة السلطة الإسرائيلية. وبفعل الاستقطابين الديني والمذهبي، على امتداد المنطقة، برزت مصطلحات ومعايير جديدة لتعريفي «الحليف» و«العدو»... سواءً بالنسبة للاعبين الإقليميين أو كبار اللاعبين العالميين.
من المصطلحات والمعايير اللافتة التي ظهرت بقوة مع العد العكسي لنهاية «الحرب الباردة» و«الثنائية القطبية» مصطلحات «الإرهاب» و«الدول المارقة» و«احترام حقوق الإنسان». وكان مفهوماً - في ظل واقع انتصار «الغرب» - أنها كانت من إنتاج أروقة صناعة القرار في واشنطن قبل غيرها.
في الشرق الأوسط، كما رأينا لسنين، طبّقت هذه المصطلحات بصورة انتقائية تخدم مصالح اللاعب القوى والكبرى مصالح والأعظم تأثيراً.
وكانت سوريا - ومعها «محيطها العربي» - الضحية الأولى للانتقائية والاستنسابية مع هذه الحالة.
لقد كان نظاما طهران ودمشق، مثلاً، يتبوآن دائماً صدارة تقييمات وزارة الخارجية الأميركية لرعاية «الإرهاب». ولفترة غير قصيرة اقتنع العالم - كما اقتنع من قبل الشعبان الإيراني والسوري - بأن إيران وسوريا «دولتان مارقتان» يرعى حكامهما «الإرهاب» ولا يقيمون وزناً لـ«حقوق الإنسان».
ولكن منذ عام 2015، شهدنا صفقة «تعايش نووي» غربي - إيراني كانت ممنوعة تماماً على العراق، كذلك قرّرت القوى الغربية بقيادة واشنطن أن الشعب السوري لا يستحق الحرية وحق تقرير المصير... ونظاماً غير نظام الأسد، رغم قتله (منذ 2011) مليون شخص وتهجيره وتشريده 12 مليوناً آخرين.
ثم إن هذا الاعتبار لم يقتصر على القوى الغربية، بل شمل «العملاقين» المنافسين روسيا والصين، اللذين يواصلان علاقاتهما الودية مع نظامي طهران ودمشق. وكذلك، وإنْ بصورة ضمنية، الحكم الإسرائيلي الذي طالما نظر بعين الارتياح للتدمير الممنهج الذي يمارسه هذان النظامان في سوريا، وأيضاً في العراق ولبنان، حيث ضربت طهران في البلدين كل مقوّمات وجود الدولة واستمرارها.
واليوم، على الرغم من كل ما حصل في العراق وسوريا ولبنان، لا تزال القوى الغربية صامتة إزاء ما تفعله طهران في المنطقة... وصولاً إلى اليمن. وبالمناسبة، أبلغني خبير سياسي لبناني صديق أنه خلال لقائه أخيراً مع سفير دولة غربية كبرى سمع منه قوله «كفّوا عن لوم (حزب الله) واتهامه بأنه وراء مشاكلكم. كل ما في الأمر أن طبقتكم السياسية فاسدة».
هذا التواطؤ مع إيران وأدواتها في المنطقة بات جلياً. أيضاً جلية مصالح إسرائيل في الشكل النهائي لسوريا المستقبل ولبنان المستقبل على حدودها الشمالية. ولئن كانت إسرائيل قد اطمأنت منذ 2006 إلى وضع جنوب لبنان، لا سيما انتقال اتجاه صواريخ إيران من حيفا إلى حلب، فإنها ترصد الآن «الحدود» و«السقوف» المسموح بها للوجود الإيراني في سوريا. وفي تقرير صحافي نشر أخيراً، يتبين أن القيادة الإسرائيلية ترصد مستوى الحضور الروسي - في خضم الحرب الأوكرانية - قبالة الحضور والاستيطان الإيرانيين على أراضي سوريا، بما في ذلك «تشييع» دمشق ومناطق في حوران. وتقول إنها مهتمة الآن بتحديد ما هو مقبول وما هو مرفوض لنظام الأسد ورعاته.
مع هذه الخلفية، يغدو التعامل مع العمليات التركية في الشمال أكثر عقلانية وواقعية. فأنقرة باتت تدرك أن التقاسم الفعلي لكيان سوريا يسير على قدم وساق. وهي ترى أنه إذا كان الروس قد حجزوا لهم موطئ قدم في الشمال الغربي، والأميركيون رتّبوا أمورهم مع الأكراد شرق الفرات، والإسرائيليون يدرسون «السيناريو» الذي يناسبهم في الجنوب السوري، فمن الطبيعي أن تتوقع أنقرة «احترام مصالحها» في شمال سوريا. وهنا، لا يحقق الأتراك فقط حلماً قومياً قديماً، بل يمنعون أيضاً نشوء كيان انفصالي كردي قابل للحياة يهدد تركيا مباشرة، ويشكل عدواً مشتركاً لهم وللإيرانيين.
بناءً عليه، فإن الكلام الذي تردد كثيراً عن تحويل «تقسيم» المشرق العربي إلى «تفتيت» يؤكد أن «نظريات المؤامرة» قد تكون صادقة أحياناً...

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«تقاسم» سوريا يقترب من الإنجاز بتواطؤ دولي «تقاسم» سوريا يقترب من الإنجاز بتواطؤ دولي



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:09 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه
  مصر اليوم - بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه

GMT 08:32 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريس "قلق جدا" لوجود قوات كورية شمالية في روسيا
  مصر اليوم - غوتيريس قلق جدا لوجود قوات كورية شمالية في روسيا

GMT 10:57 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

درّة تكشف تفاصيل دخولها لعالم الإخراج للمرة الأولى
  مصر اليوم - درّة تكشف تفاصيل دخولها لعالم الإخراج للمرة الأولى

GMT 09:38 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الحوت

GMT 00:05 2023 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الأهلي يستقر على التجديد لعمرو السولية

GMT 07:13 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

جزء ثانٍ من فيلم «موسى» في صيف 2022 قيد الدراسة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon