توقيت القاهرة المحلي 23:01:24 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كيف تفكّر طهران مع انشغال العالم بـ«كوفيد ـ 19»؟

  مصر اليوم -

كيف تفكّر طهران مع انشغال العالم بـ«كوفيد ـ 19»

بقلم:إياد أبو شقرا

إذا كان الركون إلى تقارير المراسلين الإعلاميين التي تلاحق آخر مستجدات جائحة «كوفيد - 19»، فإن الاتجاه العام في أوروبا الغربية والولايات المتحدة وبعض دول الشرق الأقصى يتجه إلى الرفع التدريجي للإغلاق والقيود المفروضة على التنقل والأسواق وأماكن التجمع. أما في عالمنا العربي، فإن ثمة مشاكل وجودية معقّدة زادتها الجائحة تعقيداً.
الرفع التدريجي في الغرب يأتي متوازياً مع معطيات متنوّعة، بعضها متناقض. إذ ليس ثمة إجماع على قرب التوصّل إلى لقاح ضد الفيروس المسبب للجائحة القاتلة، على الرغم من الإعلان تكراراً عن اختراقات واعدة جداً. كذلك لا ضمانات بوجود مناعة بعد الإصابة، أو السيطرة على طفرات جديدة للفيروس خلال الخريف المقبل. ولكن في المقابل، تتفاقم الأزمة الاقتصادية، وترتفع معدلات البطالة، وتترنّح قطاعات اقتصادية عديدة على حافة الإفلاس.
أيضاً، يلمّ بكثيرين ضيق نفسي من الحجْر المنزلي الإلزامي، وتعطيل الدراسة، وتأثر الخدمات الطبية المعتادة بحالة الطوارئ التي فرضتها الجائحة على العالم. وهذا الضيق النفسي يجعل من الناس، بمختلف خلفياتهم ومستويات وعيهم وثقافتهم، ضحيّة سهلة للمتاجرين بنظرية المؤامرة. وحقاً، ثمة مَن يستفيد من نظريات المؤامرة هذه.
وبالنتيجة، بين القلق من تأخر العلاج والتشكيك في العلماء والمعطيات العلمية، وبين التأثر بالدعايات السياسية المتصلة بهذه الغاية الاقتصادية أو تلك، تطوّر عند كثيرين شعور بالتسليم... وليكُن ما يكون. اليأس يولّد التسليم، وهذا - إلى حد بعيد - نراه اليوم في تعجّل عدد من الدول في أوروبا وآسيا، وكذلك في الولايات الأميركية التي يحكُمها جمهوريون، رفع الإغلاق... ولو جزئياً.
أما في المنطقة العربية التي تعاني، ويتوقع أن تزداد معاناتها خلال الأشهر المقبلة، فإن دولها المأزومة، كالعراق وسوريا واليمن ولبنان، تُفاقِم أزماتها خلفيات النزاع السياسي وتداعيات مشروع الهيمنة الإيراني. وهنا، يختلف المُحلّلون في قراءتهم للتطورات السياسية والأمنية الأخيرة في هذه الدول، في ظل غموض التعامل الدولي مع هذه الدول وأولوياتها.
بالنسبة لإسرائيل، الخلاف محدود على ما تريده قيادات اليمين الإسرائيلية، ولكن الواضح أن الجائحة وتعب الناخبين ويأسهم كانت عوامل نجح تضافرها في تحقيق ما فشل العداء السياسي في تحقيقه. إذ قبلت «المؤسسة العسكرية» الإسرائيلية، ممثلّة بحزب «أزرق - أبيض» الذي يقوده ثلاثة جنرالات، كلفة التوافق المرحلي مع بنيامين نتنياهو الرمز الحي للانتهازية المتاجرة بالوطنية والفساد المتدثّر بالتديّن. ولكن في سنة انتخابية أميركية، وبعد دعم جمهوري لا محدود لنتنياهو، هناك مَن يرى أن واشنطن تفضّل - مرحلياً على الأقل - تأجيل مشاريع الضمّ التي يطبخها اليمين الإسرائيلي بسرعة، بينما العالم منشغل بجائحته، والعرب قلقون بين فكّي «كمّاشة» الهيمنة الإيرانية والطموح التركي.
إزاء إيران، اختلاف القراءة أوضح. فثمّة راصدون يرون أن قبضة القيادة الإيرانية في الدول العربية التي طالما تباهت بالهيمنة عليها، قد تراخت كثيراً بعد الضربة المُوجِعة التي قضت على قاسم سليماني، «رأس حربة» هذه الهيمنة. ويسوّق هؤلاء دليلاً على ذلك قبول طهران بتولّي مصطفى الكاظمي رئاسة الحكومة، بعدما رفضه مرتين أتباعها وقادة ميليشياتها. أيضاً، يشير المتفائلون إلى أنه منذ توافرت قوة الدفع للكاظمي... خفتت تدريجياً أصوات أتباع طهران الذين كانوا يأمرون وينهون ويعطِّلون على هواهم.
في المقابل، يعتقد الأكثر تشكيكاً في نيّات القيادة الإيرانية أن الخبرة مع «التقيّة السياسية»، التي أجادتها طهران لعقود، تقضي بالحذر مما يمكن أن تفعله هذه القيادة، وأدواتها في العراق، خلال الأشهر القليلة الفاصلة عن موعد الانتخابات الأميركية في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وفي تصوّر هؤلاء، أن طهران، التي قامت عقيدتها القتالية على اعتماد الهجوم وسيلة للدفاع، وخوض معارك دفاعها عن نظامها داخل أراضي الخصوم المطموع بها، لا تمانع في التراجع خطوة من أجل التقدم خطوتين.
ومن ناحية ثانية، لا يرى هؤلاء في عودة ظهور «داعش»، وبقوة، على الساحة العراقية إلا وجهاً لـ«الاحتياطي» السياسي والأمني الإيراني في العراق... حيث كلما ضعُف موقف طهران، يُستنفَر «داعش»، ويعود إلى الظهور والتحرك في أرض يُفترض أن لدى الأميركيين والإيرانيين السيطرة على سمائها وأرضها.
وحقاً، جاءت عودة عمليات «داعش» إلى شمال غربي العراق، أخيراً، بالتزامن مع توجّه حكومة مصطفى الكاظمي إلى تعزيز الشراكة مع المجتمع الدولي. ولا سيما، في أعقاب حصولها على الثقة، ومباشرتها ممارسة دورها كحكومة في بلد ذي سيادة، والتغلّب على التحديات الصعبة، وأبرزها المصاعب الاقتصادية، بما فيها تجاوز العجز المالي، الذي تعانيه الخزينة العراقية، ونقص السيولة المالية العامة.
وشخصياً، أزعم - وأرجو أن أكون مخطئاً في تقديري - أن طهران تمارس اللعبة نفسها في كل من لبنان وسوريا واليمن. وهي لعبة «التسهيل وادعاء الاعتدال» من أجل كسب الوقت وانتظار متغيّرات في واشنطن، على الرغم من ارتباك المواقف الأوروبية، وتفاوتها، بين التشدّد الألماني المفاجئ تجاه «حزب الله»... و«رمادية» الموقف الفرنسي تجاه مشروعه في لبنان.
باعتقادي، أنه على الرغم من أن إيران قد لا تستعيد نفوذها السابق داخل واشنطن، حتى إذا فاز الديمقراطيون بانتخابات نوفمبر، فإنها ستتمتّع بهامش حركة أكبر مما لديها في ظل نزق دونالد ترمب وابتزاز داعميه من مناصري اليمينين الإنجيلي والليكودي. وأنا هنا أستخدم كلمة «ابتزاز» متعمّداً لأنني أستبعد تماماً أن تعمل واشنطن، ديمقراطية كانت أم جمهورية، على التصادم مع النظام الإيراني... ناهيك من إسقاطه. والسبب أن هذا النظام ضرورة استراتيجية لواشنطن وإسرائيل، وبالأخصّ، إذا كان سقوطه سيؤدي إلى تفككّ إيران وتقسيمها. ومن ثم، فإن الغاية المشتركة لواشنطن وتل أبيب - وموسكو أيضاً - هي وضع سقف مقبول لطموحات إيران الإقليمية، وهذه نقطة التلاقي بين رؤى العواصم الثلاث إزاء مستقبل سوريا، واستطراداً، لبنان.
«حزب الله» يدرك هذه الحقيقة تماماً، لأنه جزء لا يتجزأ من تصوّر طهران ومناوراتها التكتيكية، بل تجسّد تكتيكاته استرتيجيتها القائمة على «التسهيل وادعاء الاعتدال»، ولكن مع التدمير الممنهج لمقومّات الدولة اللبنانية ومؤسساتها، وكل ما يمتّ لدور لبنان وتنوّعه وتعايشه ووجهه الحضاري وثقافة الحياة فيه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كيف تفكّر طهران مع انشغال العالم بـ«كوفيد ـ 19» كيف تفكّر طهران مع انشغال العالم بـ«كوفيد ـ 19»



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 19:23 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً
  مصر اليوم - خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 22:20 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 18:23 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

مصر تتسلم مليار يورو تمويلا جديدا من الاتحاد الأوروبي

GMT 22:36 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الأمير الحسين يشارك لحظات عفوية مع ابنته الأميرة إيمان

GMT 13:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 11:40 2024 الثلاثاء ,13 آب / أغسطس

نباتات ذات روائح مميزة يمكن زراعتها بالمنزل

GMT 08:12 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

السلطات السورية تفرج عن صحفي أردني بعد 5 أعوام من اعتقاله

GMT 17:48 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق مفضلة لتنظيف غرفة النوم وتنظيمها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon